19-04-2004, 04:08 AM
|
#3
|
عضو نشط
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 3612
|
تاريخ التسجيل : 02 2003
|
أخر زيارة : 06-03-2005 (03:20 PM)
|
المشاركات :
118 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
عنف التربية
لنستعرض هنا قليلاً من موارد العنف الناتج عن سوء التربية تاركين العنف الموروث مكبوتاً في حيامنه والذي كان في زمن ولى ومضى عنفاً مكتسباً بالتربية. واتذكر هنا ذلك الأب من أحد الدول العربية الدارس في بريطانيا آنذاك والذي أمر ابنه بضرب ابن الجيران بالحجر لأنه أخذ الكرة منه ليعلب بها لدقائق فيا حسرتاه على ذلك الابن من ذلك الأب وتلك التربية إذ ما أن كبر واشتد عوده أخذ ينهال على أبيه سباً وشتماً إن لم نقل ضرباً ولربما شهد الكثير بوجود هذه الحالات في كثير من المجتمعات العربية والمشرقية ولا اعرف تفسيراً لهذا الموقف. فلماذا لم يختر الأب البدائل المتعددة كأن يخرج ليأخذ بنفسه الكرة من ابن الجيران ويصلح بينهما أو يرسل أخاه بدلاً عنه ليأخذ الكرة ويرجعها أو يدع الأطفال يحلّون مشاكلهم بينهم وفق توصيات اصلاحية أو يدع ابن الجيران يلعب قليلاً بالكرة حتى يكتفي وتقر نفسه ومن ثم يرجع الكرة فهو في النهاية صديق ولده... الخ.
وتكثر البدائل ولكن الاختيار لم يكن إلا اختياراً للعنف السيء المصاحب للقصور الذهني والتقنية التربوية.
وأتذكر أيضاً تلك المرأة التي كانت تضرب رأسها بالجدار لتعديل درجة النسيان والوسوسة في داخل نفسها عند كل خطأ ترتكبه في صلاتها وكأنها تعاقب نفسها أو ذلك الرأس على ذلك الخطأ تاركة كل البدائل الممكنة من التسبيح والبوصلة واستخدام جهاز التسجيل للصلاة بأكملها أو الائتمام بالاخرين لعلاج هذه المشكلة ولن انسى أيضاً تلك المرأة التي كانت تشقق ثوبها وتلك التي كانت تقطع شعرها جزعاً وخوفاً ورعباً لدى كل مشكلة غير محتملة لديها ومهما كانت بسيطة وكأن ذلك السلوك يهدئ من روعها ويحل معضلتها وكم كان الرعب يصيب الأطفال عند مشاهدة تلك المناظر وكم يقيسون عندئذ بأن ضرب الرأس وتقطيع الشعر وتمزيق الثياب قد يكون حلاً للمعضلة.
كما لن انسى، ذلك الطفل الذي يسقط على الأرض ونظره متعلق بأمه ثم بدأ بالصراخ والعويل لا لسقوطه على الأرض بل لفزع أمه عليه وجزعها في نظرتها إليه وصراخها من هلعها عليه وكم كان موقف الأب جريئاً وتربوياً عندما طلب من الطفل أن ينهض وينظف ملابسه الجديدة من التراب الذي علق عليها جرّاء السقوط بدلاً من البكاء والعويل. ونتذكر ذلك الابن المرعوب جراء تأنيب وتعزير والديه له على كل خطأ قد يرتكبه وإن كان عفوياً.
وأتذكر ذلك الأب الذي يحتقر ويزدري زوجته أمام أولاده وكم يزرع في نفس الذكور منهم نفس الازدراء وذات السلوك ضد امهم واخواتهم الإناث اللواتي ينتابهن الخوف والاحباط والجزع والتسليم للأمر الواقع.
وكم نتذكر لنكتب عن عنف التربية في العالم العربي والاسلامي وكم ندرس لنبحث فالكل يعرف ويشكو التربية والعنف المصاحب لها وتأثيرها السلبي والكل لا يبالي ويبرر!!!
ميكانيكية الردع والعلاج
إن مرض العنف النفسي في حاجته إلى العلاج لا يختلف عن الأمراض الجسمية الأخرى كما لا يختلف عن الأمراض النفسية المتعددة فقد سبق أن أوضحنا أنه مزيج جسمنفساني وذهني في آن واحد وليس من السهل زمنياً وتقنياً تحقيق النتائج المطلوبة ولكن بتطبيق الارشادات الطبية والعلاجات الروحانية والدراسات العلمية الاجتماعية علاوة على التوعية الثقافية المتواصلة نستطيع الوصول إلى مرحلة لا نقول باندثار العنف فيها بل نقول بتضائله أو وقوفه عند حد لا يتصاعد بعده. وبهذا يمكننا تلخيص تلك الميكانيكيات العلاجية بالنقاط التالية:
* الكلمة الطيبة الوادعة: جاء في الحديث أن الكلمة الطيبة صدقة تدفع العنف والكراهية وتربي نفس الفرد على المودة وتساعده على حسن السلوك. وباشاعة روح الكلمة الطيبة في المجتمع سوف لن يجد العنف مجالاً للنمو والترعرع.
*النظرات الهادئة الناعسة: توحي النظرات الناعسة والهادئة للطرف الآخر بالطمأنينة وعدم الارتياب والخوف وعدم التشنج بعكس تلك النظرات القاسية المشككة والتي تثير الاستفزاز ولربما تؤدي النظرات الهادئة والناعسة إلى انتظام افراز الهرمونات في الخلايا الجسمية المولدة للعنف وهذا يتضح من مراقبة بسيطة وتحليل لمواقف بعض الحيوانات إذ أنها تستطيع أن تقرأ أو تفهم روح العداء والعنف من عيون ونظرات الحيوان الآخر. فلحركة العيون في الإنسان اثر واضح في رد العنف والعدوان إذ نجد أنه كلما تناعست العيون أي قلت وخفت حدة نظراتها قل العنف والعنف المضاد في الإنسان وهو ما يظهر بوضوح وجلاء عند المرضى والكهول والشيوخ.
* الاعتدال الغذائي: الامتناع عن تناول الأطعمة المثيرة للحساسية فمما لا شك فيه أنها تساعد على سوء الهضم وعدم انتظام أو قصور الإفرازات الهرمونية في الجسم الأمر الذي يؤدي بالفرد إلى التوتر والعصبية المصاحبة للعنف وحبذا لو يستشار الطبيب بذلك.
*الهوايات الفردية والترويح النفسي: تساعد الهوايات الجسمية والنفسية على امتصاص عدم التوازن الهرموني في الجسم والمؤثر في السلوك الإنساني وتوجيهه باتجاه معاكس للعنف والعدوانية فهواية القراءة، وجمع الطوابع، والنقود، والموسيقى، والركض ولعب الكرة بأنواعها... إلى غيرها من الهوايات التي تركن لها النفوس من دون حصر وكذلك إطلاق الحرية في اختيار الهواية المناسبة للأطفال والشباب حسب أعمارهم كالسباحة وركوب الخيل والدراجات والسيارات... الخ تساعد على تحويل العنف إلى علاقات جسمية أو نفسية هادئة وديعة كما تصرف الذهن وخلاياه عن التفكير بالعنف لانشغالها وانغماسها بتلك الهوايات وتطويرها وإن مجّ الفرد إحدى هذا الهوايات أو أكثرها كان من واجب علماء النفس والتربية ومتصدي الإصلاح في المجتمع خلق هوايات أخرى تتماشى وتوجهات ذلك المجتمع وعلاقته بالعنف.
ولربما نستطيع التأكيد على أن من أهم الهوايات التي تقلل العنف أو تمنعه هي السباحة ومع الأسف نجد أن الكثير من البلدان الإسلامية ولأزمنة قريبة مثل ليبيا وايران والسعودية واليمن لا تهتم بالسباحة بل تتركها للفرد والقدر وللاستثمار من دون اعطائها تلك الميزة التربوية على الرغم من توجيه وتوصية الإسلام بها فمع الأسف نجد أن اغلب المسابح أو كلها مسابح صيفية في الوقت الذي نلاحظ ندرتها في الشتاء وكأن العنف لديهم مرهون بفصل الصيف دون فصل الشتاء. كما تشير الإحصائيات الكثيرة إلى انعدام العنف أو تضاؤله عند أولئك الذين يمارسون هواية السباحة بشكل متواصل دون انقطاع حيث تقضي السباحة على التوتر الفكري والعصبي عند الإنسان وبصورة مباشرة. وحبذا لو يتم توسيع هذه الهوايات واعطائها الطابع الإسلامي وتبينها من قبل المراجع والمسؤولين عن تربية المجتمع وتوجيههم الصحيح بدلاً من العنف المصاحب لتأجيح العواطف واستفزازها.
إن هواية تربية الحيوانات والطيور المنزلية خصوصاً للأطفال والشباب تولّد فيهم روح العناية والرعاية وحب الطرف الآخر وتغيير السلوك العدائي إلى سلوك التعايش السلمي كما تنمي موهبة التعامل لدى الفرد والطفل مع من هم أقل واقصر منه وتحمّل وتحليل بعض السلوك القاصر الصادر من مثل هذه الحيوانات وتعلم كيفية تربيتها وتدجينها ودراسة سلوكياتها واخلاقياتها مما يصرف الفرد أو الطفل عن روح العداء والتذمر والكثير من السلبيات الناتجة عن ضيق الصدر..
ولعلي أستطيع القول وبحزم بأن من واجب الآباء دفع أبنائهم لممارسة وإعتناق إحدى الهوايات أو عدداً منها ولربما أذهب بعيداً وأطالب الآباء والمسؤولين والمتصدين للتربية وعلم الاجتماع إلى وضع دراسات اجتماعية وخلق هوايات جديدة تتناسب مع ذات المجتمع وعواطفه وميوله من دون تقليد للآخرين وأختم هذه الورقة بما روي عن الإمام علي… قوله (روّح النفس ساعة فإنها إن ملّتْ كلّتْ وإن كلّت عَميتْ).
* الاسترخاء: تفيد علميات الاسترخاء كثيراً في التقليل من حالات العنف المصاحب للغضب وعملية الاسترخاء تعني ترك العضو الجسمي كاليد أو الرجل من دون حركة لفترة زمنية وبصورة لا يتدفق فيها الدم إلى العضو الجسمي بكميات كبيرة وهو أشبه إلى التخدير منه إلى النوم.
* تقوى الله: إن تقوى الله وهو الملاذ الأكبر في نهاية المطاف يمنع القسوة والغلظة وهو بالتالي يردع العنف رغم حق القصاص الفردي الذي قد يتضائل أمام مفهوم العفو والإصلاح ومصداقية الفرد المؤمن.
* الصلوات والتوجه إلى الله: تمثل الصلوات وسيلة من وسائل ردع العنف عند الشخص بينما يساعد التوجه إلى الله على توازن وانتظام الإفرازات الهرمونية الجسمية عند الفرد بابعاده عن مكونات الإثارة والاستفزاز.
* الأجواء البيئية: للبيئة تأثير كبير على تصعيد درجة العنف عند الفرد فالصحراء والطبيعة القاسية والنحيب والضجيج وعدم الاستقرار والهدوء وحتى التلوث البيئي لأي سبب من الأسباب يعتبر من إحدى المقومات الاستفزازية الباعثة والمسببة للعنف أو حتى تقبّله بصورة طبيعية إذ أن الانتظام الهرموني والسلوكي مرهون بالتأثرات والتغيرات البيئية المحيطة بالفرد وعليه ينصح العلماء باختبار البيئة الجوية والاجتماعية المناسبة لتقليل العنف المصاحب للتوتر في مثل هذه الحالات.
* رفع القهر الاجتماعي: لاحظنا أن القهر الاجتماعي في الفقرة السابقة هو أحد مكونات العنف عند الفرد وبالتالي لابد من اتباع الوسائل التي تقلل من تأثيرات هذا القهر وينصح العلماء بأن المشاركات الاجتماعية والانضمام للجمعيات الاصلاحية ومساندتها مثل جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات الرفق بالحيوان وجمعيات الدفاع عن حقوق المرأة وجمعيات الرعاية الصحية وجمعيات الإحسان الخيرية ونقابات العمال والفلاحين... الخ تعتبر من الوسائل المهمة في تقليل العنف المصاحب للقهر الاجتماعي.
*النضج السلوكي: تكليف الشباب والصغار بمسؤوليات ومهام منزلية، أو ادارية يساعد كثيراً في النضج السلوكي لديهم عن غيرهم ممن لم يحضوا بهذه الخصوصية. إن معاملة الصغير باسلوب كبير يساعد على نضجه السلوكي الأمر الذي يقلل من انفعاليته وعنفه.
* الحركات الكشفية: إن مشاركة الشباب والأطفال بالحركات الكشفية أصبحت في الوقت الحالي ضرورة من ضروريات المعاملة الكفوءة مع الأحداث اليومية للحياة ويلاحظ أن مردودها النفسي يفيد كثيراً في التقليل من العنف لدى الأفراد حتى بعد تركهم تلك الحركات الكشفية.
* نظرية امتصاص العنف بالعنف: يؤمن البعض بأن العنف ذاته قد يشكل رادعاً للعنف إذا تم استخدامه بصورة علمية ومدروسة مثل مباريات الملاكمة والمصارعة وكرة اليد والركبي هي من الألعاب والهوايات العنيفة التي وضعت وفق أسس أخلاقية واجتماعية تجارية وتربوية قادرة على تحويل العنف السلبي إلى عنف رياضي إيجابي يكتسب الاحترام. كما أن افلام العنف أيضاً تشكل مثلاً آخراً على نظرية امتصاص العنف بالعنف والتخلص من المحاربين بالحرب... وهكذا تطغى التجارة حتى على عقول الأطفال والمراهقين الذين ليست لهم القدرة على استيعاب فكرة امتصاص العنف بالعنف المضاد. والحقيقة أن الأمثلة السابقة لا تقدم دليلاً على امتصاص أو تقليل العنف بالعنف بل يمكن تكليف الشخص بأعمال عضلية عنيفة مثل الركض ورفع الاثقال وتقطيع الشجر وتكسير الحجر.
* الحب والزواج: الحب نقيض الكراهية وهي إحدى مقومات ومولدات العنف في النفس البشرية وفي مجتمعاتنا حيث ينظر للحب بمنظار سلبي ترتفع نزعات الحقد والكراهية والتطرف الناتج عن الكبت العاطفي المثير للعنف الجنسي والعدوانية وبإطالة فترة الخطوبة بين الجنسين يتعلم الطرفان خلاها تغليب سلوك الحب ومراعاة الطرف الآخر علاوة على ايجابيات أخرى نحصد في محصلتها انتفاء الكراهية والعنف بين الطرفين وفي كل المجتمع.
هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله ومن تبعة تسليماً كثيراً الى يوم الدين والحمد لله رب العالمين
|
|
|