05-08-2002, 10:36 AM
|
#2
|
عـضو دائم ( لديه حصانه )
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1463
|
تاريخ التسجيل : 04 2002
|
أخر زيارة : 21-10-2004 (05:57 AM)
|
المشاركات :
1,406 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
لماذا التقلص بعد النمو في مكوني معمار المخ؟
يثير النمط الموصوف أعلاه سؤالاً جوهريًّا: لماذا يتبع النمو الانفجاري في مكوني معمار المخ تقلص في كلا المكونين – في الخلايا في النصف الثاني من الحمل، وفي الوصلات بعد بلوغ الثانية من العمر؟
تقوم الإجابة على هذا التساؤل على أن التعليمات الوراثية للكائن البشري (المتضمنة في "الجينات" أو "المورثات") لا تكفي لتحديد تفاصيل بناء المعمار الهائل للمخ البشري بكامله (يصل عدد المورثات في الكائن البشري حوالي مائة ألف، يختص نصفها تقريبًا بتعليمات تشييد معمار المخ والجهاز العصبي – راجع، للمقارنة، الأعداد، الأكبر كثيرًا، لخلايا المخ والوصلات بينها المعطاة أعلاه).
ولذلك يتم إنتاج عدد يفوق الحاجة، من الخلايا قبل الميلاد، ومن الوصلات حتى الثانية من العمر، بحوالي المثل في كلتا الحالتين، بحيث يقوم المخ ذاته، بعد اكتمال معماره بما يكفي لمهام كل من المراحل الأولى للحياة، باستكمال تشييد المعمار على صورته النهائية.
فوجود فائض في مكوني المعمار يضمن توافر ما يكفي، ويزيد من قدرة المخ، باعتباره مركز التحكم في الكائن البشري، لضبط كل أجهزة الجسم الحيوية أولاً، ثم العلاقة بالعالم خارج الرحم، بعد الميلاد، ثانيًا. وبيديهي أن الاحتياط بالوفرة أحكم من التقتير في مثل هذه المجالات، كما أنه يوفر فرصة انتقاء أفضل عناصر المعمار للمهام المطلوبة.
وإعمالاً لهذه الحكمة، فإن ما يزيد عن حاجة ضبط الوظائف العضوية للجسم من خلايا المخ يفقد قبل الميلاد.
أما في حالة الوصلات بين خلايا المخ، فلا شك في أن قسمًا منها مطلوب للتحكم في الوظائف العضوية. ولكن، في منظور الاجتماع البشري، يتصل قسم آخر، أضخم كثيرًا، بالعلاقات مع البيئة، المادية والبشري. ومنطقي أن يتوقف هذا القسم الثاني من الوصلات على تفاعل الطفل مع هاتين البيئتين. وكما في حال الخلايا، يبدأ إنتاج الوصلات بين الخلايا بوفرة، بل بمعدل متصاعد، حتى بلوغ الثانية من العمر، ثم يتقلص مكوِّن الوصلات من معمار المخ حتى يستقر حول العاشرة، كما رأينا.
وبينما يستغرق التخلص من خلايا المخ الزائدة عن الحاجة حوالي أربعة شهور، تتطلب العملية هذه في حالة الوصلات ثمانية أعوام (أي أربعة وعشرين مثلاً تقريبًا). ويستدل من هذه المقارنة على أن جانب التفاعل مع البيئة، المادية والبشرية، من شق الوصلات في معمار المخ أعقد بكثير من جانب ضبط الوظائف العضوية للجسم، ويحتاج، من ثم، لرصيد هائل من الوصلات.
والاستخلاصان الأهم هما أن تشكيل جانب التفاعل مع البيئة - المادية والبشرية - من معمار المخ لا بد أن يكون - في حد ذاته - رهن بالتفاعل مع البيئة من خلال نشاط المخ نفسه، من ناحية؛ وأنه يصل أقصى نشاط له حول الثانية من العمر، ويكاد ينتهي ببلوغ العاشرة، من ناحية أخرى.
وهكذا، فإن الإجابة على التساؤل المثار في بداية هذا القسم من المقال تشير إلى الأهمية القصوى لعوامل البيئة، أو التنشئة، في مقابل الوراثة، في تشكيل شق الوصلات بين الخلايا في معمار المخ.
وتبرز الإجابة كذلك الأهمية الفائقة للعشرة أعوام الأولى من العمر، وعلى وجه الخصوص العامين الأولين، في تشكيل معمار العقل الخاص بالتعامل مع المحيطين، المادي والبشري، للوجود الإنساني.
***************
تطور معمار المخ والتعلم
يكمن في هذا النمط من تطور معمار المخ تفسير لظاهرة مثل تعلم الأطفال الصغار للغة بلد أجنبي بسهولة، وطلاقة، لا يقدر عليها من هم أكبر منهم سنًّا، خاصة البالغين. لقد أصبح معروفًا الآن أن هذه الميزة تتأتى في الوقت الذي تبنى فيه العلاقات بين خلايا المخ (المتخصصة في اللغات). وإذا لم تنشأ الوصلات الخاصة بلغة معينة في هذه الفترة، تقل قدرة الفرد على اكتساب هذه اللغة باطِّراد، خاصة بعد بلوغ العاشرة من العمر (في هذا أيضًا تفسير لبعض عيوب النطق التي تلازم من يتعلمون اللغات في الكبر، وإن أجادوا في اللغة، خاصة عبر عائلات اللغات - العربية واللاتينية مثلاً).
وتثير خصائص تطور معمار المخ، وتفسير سهولة اكتساب الأطفال للغات الأجنبية، فكرة أن هناك فترات حرجة (أو نوافذ فرص windows of opportunity زمنية)؛ لتكوين الوصلات الخاصة بمهارة معينة، على أعلى مستوى من الكفاءة، بحيث يتدنى مستوى كفاءة هذه المهارة إن اكتسبت بعد فوات هذه الفترة الحرجة من تشكل المخ، وتقع غالبية هذه النوافذ الحرجة لاكتساب المهارات في السنوات الأولى من العمر. وهذا هو، بالضبط، ما تؤكده نتائج البحوث الأكثر حداثة في دراسات تشكل المخ.
وينطوي مجمل المعرفة المتاحة عن النوافذ العمرية الحرجة لاكتساب بعض المهارات الأساسية على ضرورة مراجعة جذرية لتنشئة الأطفال وتعليمهم، خاصة تعلمهم الذاتي، قبل المدرسة، بل قبل رياض الأطفال. ومن أمثلة الفترات الحرجة لبعض المهارات الأساسية.
* الإبصار: من الميلاد حتى الشهر السادس.
* التطور العاطفي: من الميلاد حتى ثمانية عشر شهرًا.
* الثروة اللغوية والكلام: من الميلاد حتى السنة الثالثة.
* اللغة الأم: من الميلاد حتى السنة الخامسة.
* المنطق والرياضيات: من إتمام السنة الأولى حتى الرابعة.
* الموسيقى: من إتمام السنة الثانية حتى العاشرة.
ونعود الآن إلى مسألة ارتكاب العنف أمام الأطفال الصغار، فمثل هذا السلوك في حضرة طفل في الثانية من العمر مثلاً يقع في الفترة العمرية التي يكون الطفل فيها من أقصى درجات التنبه العقلي للتفاعل مع البيئة، وتشكيل معمار المخ بشأنها، متضمنًا أنماط السلوك، وردود الفعل لها. ومن ثم، فإن السلوك العنيف، في هذه المرحلة من نمو الطفل، يكون أشد وقعًا على الطفل منه في المراحل العمرية التالية، التي قد يراعي فيها الكبار الابتعاد عن تعريض الأطفال للعنف، على أساس أنهم "أصبحوا يفهمون". والحق أنهم كانوا يفهمون قبل أن يفهم الكبار ذلك.. بكثير! بل الأخطر أن التعرض لهذا السلوك يترك أثرًا أكثر دوامًا على معمار مخ الطفل، عمَّا لو حدث بعد بلوغ الطفل العاشرة مثلاً.
أين كل هذا من التصورات التقليدية عن متى "يفهم" الأطفال، وكيف يتعلمون، وعن التنشئة الاجتماعية بوجه عام؟
|
|
|