**عنوسة** الرجال يا أبا مروان
...............................--------------------------------------------------------------------------------
شباب الخليج.. عازفون عن الزواج
2002/08/19
داليا الحديدي- سمر دويدار
في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، وهو يحض الشباب على التعجيل بالزواج من أجل صيانة المجتمع وعفته.
لكن الشاهد أن الشباب في المجتمع الخليجي بشكل عام والقطري على وجه الخصوص عازف عن الزواج؛ مما يطرح العديد من التساؤلات في ظل أطروحات تؤكد أن عزوف الشباب ناجم بشكل أساسي عن ارتفاع تكاليف الزواج في مجتمعات شبه الجزيرة العربية؛ وهو ما أدى إلى انتشار ظواهر سلبية عديدة تهدد أمن المجتمع.
وللأسف فإن الصورة المطبوعة في ذهن العالم عن الرجل الخليجي هي صورة الرجل الثري، أو رجل النفط الذي لا يعاني إلا من الرفاهية، وهو لا يدري كيف ينفق أمواله، سواء في السفر أو التسكع في العواصم الأوروبية؛ ليسرف بدون حساب، أو رجل النفط الذي يلهث عابثا وراء النساء…
وهذه صورة مخالفة تماما للحقيقة ومشوهة لمجتمع كامل، وأعتقد أنه من الصعوبة أن يصدق أحد أن أهل الخليج يعانون من مشاكل مادية تقف حائلا دون قدرتهم على الزواج؛ فبالرغم من ارتفاع دخل الفرد في الخليج فإن ذلك يوازيه ارتفاع في تكاليف الحياة بشكل يفوق التصور، خاصة إذا تعلق الأمر بقضية زواج الشباب.
الزواج من أجنبيات مشكلة مزمنة
وتعتبر مشكلة العنوسة من المشاكل المزمنة نتيجة لارتفاع المهور وتكاليف الزواج بشكل عام، وعدم قدرة الشباب على إيجاد مسكن مستقل للزوجة؛ الأمر الذي أدى منذ الثمانينيات إلى بروز ظاهرة الزواج من الأجنبيات، بالرغم من عدم الاعتراف بالأولاد من هذه الزيجات، وعدم موافقة الدولة على عقد هذه الزيجات إلا في حالات نادرة كارتفاع سن الزوج، أو إعاقة الزوج، أو زواج الشاب من إحدى قريباته من دولة أخرى خارج دول مجلس التعاون، بخلاف ذلك يكون الشاب مضطرا للزواج في حالة سفره للخارج فقط، على أن يتحمل واقع عدم الاعتراف بالأبناء.
ويفضل الشباب -خاصة المبعوثين للدراسة في الخارج- الزواج من الأجنبية؛ على اعتبار أن تكاليف الزواج منها منخفضة مقارنة بالزواج من مواطنة أو خليجية.
رأي الشباب
الشاب السعودي فهد السعيدي -34 عاما-: لم يتزوج بعد أن علم أن متوسط إجمالي تكلفة الزواج في السعودية يصل إلى 250 ألف ريال، ويشير فهد إلى إحجام نسبة كبيرة من الشباب السعودي عن الزواج بالفتيات المتعلمات تعليمًا جامعيًا أو فوق الجامعي، فضلاً عن تراجع فرص العمل المتاحة للسعوديين، وانتشار البطالة التي بلغ معدلها حوالي 26% في المملكة؛ وهو ما دفع لإصدار تشريعات تكاد تمنع استقدام عمالة خارجية ما دامت متوفِّرة بالسعوديين.
ويرى محمد العشار -شاب قطري، عَزَب- أن ارتفاع المهور يرجع إلى "حب التفاخر والرغبة في التباهي"؛ لأن كل أب يقارن مهر ابنته بمهور قريبات العائلة، ولا يقبل بأن يكون مهر ابنته أقل. ويؤكد العشار أن قلة من الناس صاروا يقتنعون بأن "أقلهن مهراً أكثرهن بركة".
أما سالم الكعبي -قطري، 35 عاما، عزب- فيقول: عندي رغبة شديدة في الزواج، ولكن ما أسمعه يجعلني أهرب من مجرد الإقدام على هذه الخطوة، فأنا لست على استعداد لإهدار كرامتي مع أهل فتاة يريدون شبكة بـ 200 ألف، وفرحا في صالتين: واحدة للنساء وأخرى للرجال، وحفلة قبل يوم العرس وحفلة يوم العرس، وأضعاف ذلك للفيلا والخادمة المستوردة والسائق ثم رحلة شهر العسل.
وتساءل سالم عن سبب زوال فكرة أن أهل العروس يشترون رجلا، ولماذا تسيطر الاعتبارات المادية على موضوع الزواج؟ ولم يمهلني الرد، بل أجاب على سؤاله قائلا: يجب أن أكون مليونيرا قبل أن أقدم على هذا الخطوة!!
ويتفق حمد نعيمة مع سالم الكعبي في الرأي، مؤكدا أنه لا توجد فتاة واحدة في قطر تقبل أن تعيش في بيت أسرة زوجها.
شهادات محايدة!!
ويؤكد السيد محمد المرزوقي -مأذون شرعي في قطر- أن الشباب القطري يعاني من الارتفاع الكبير في تكاليف الزواج والمغالاة في قيمة المهور؛ فبالرغم من أنه يتم عادة كتابة 10 آلاف ريال قطري كصداق مسمى، فإن القيمة الحقيقية للمهور تتراوح بين 200 و300 ألف ريال لتصل إلى مليون ريال، بالإضافة لحفلات الزواج، وتتكون من حفلة خطوبة أولى وثانية (عقد زواج)، وتكونان مخصصتين للنساء، ثم حفلة العرس الكبير، وتنقسم بدورها لقسمين في قاعتين: إحداهما للرجال وأخرى للنساء، وكذلك حفلة في ثاني يوم العرس، وهي عبارة عن وليمة كبيرة للعائلة تقدم أثناءها هدية ثانية للعروس، بخلاف الشبكة الأولى، وثمن الشبكة يبدأ من 50 ألف ريال كحد أدنى وقد يصل إلى مليون ريال.
ويقول حسين دياب -جواهرجي قطري-: "إن الفتيات أصبحن يتطلعن إلى شَبْكة متميزة وفخمة، وغالبا ما تكون من الماس؛ الأمر الذي يدفع محلات المجوهرات إلى صنع قطعة واحدة من كل موديل خاصة بالفتاة". ويضيف أن هدية العريس لزوجته في اليوم الأول من الزواج تقتصر على طقم يبدأ من ألفي ريال فقط لا غير!
لفتيات الخليج رأي مختلف
ومن جانب الفتيات في الخليج تقول مريم سلمان -من السعودية-: "إنه لا توجد أزمة زواج، والكلام عن ارتفاع تكاليف الزواج مبالَغ فيه؛ فالشاب ينفق ما بين 700 ألف إلى مليون ريال سعودي في شراء سيارة ليتفاخر بها بين أقرانه، ويغيِّر هاتفه الجوال كل شهر أو شهرين، وينظم رحلتين سنويتين لأوروبا وأمريكا تكلفه مبالغ طائلة؛ ربما من أجل السياحة الجنسية، وحين يفكر في الزواج فهو لا يعرف من الدين سوى تيسير المهور، أو "خيرهن أيسرهن مهرا"!
وتتفق فاطمة ناصر -من قطر- مع مريم، وتقول: هناك مئات من العائلات على أتم استعداد لتزويج بناتهن بمهور قليلة؛ فغالبا ما تكون الفتاة من أسرة متواضعة، والمشكلة ليست في صعوبة الزواج ولا في ارتفاع تكاليف الزواج.. إنما المشكلة في أن الشاب يريد مستوى معينًا، يريد فتاة ذات أصل وحسب ونسب، ويريد كل ذلك بثمن زهيد، وحبذا بدون ثمن؛ بدعوى أن أهل الفتاة يجب أن يسعدوا بشراء رجل.
وتؤكد عائشة سلمان -من الإمارات- هذا الرأي، وتضيف قائلة: "لكن الرجل لا يريد سوى أن يتخير ما يشاء ليستكمل مظاهر الوجاهة الاجتماعية بين أقرانه، مؤكدًا لهم أنه استطاع أن يشتري أغلى سيارة، وأحدث جوال، وزوجة من عائلة راقية".
محاولة للدفاع
في حين ينفي عبد العزيز جاسم -من قطر- هذا الرأي، مؤكدا أنه لا توجد فتاة في قطر توافق أن تقترن برجل يركب سيارة موديل 1982! وأضاف أنه بالرغم من أن حكومة قطر تساعد الشباب على الزواج بتقديم معونة زواج -لأول زيجة فقط- تقدر بـ20 ألف ريال؛ فإن هذه القيمة تتفاوت وفقا لعامل واحد، وهو الاسم الثالث للعائلة! ويطالب جاسم بأن يكون هناك إشراف من الدولة على من تقدَّم لهم منح الزواج؛ أسوة بما هو معمول به في الإمارات؛ حيث تأتي لجنة من صندوق الزواج وتحضر حفل الزواج، فإذا وجدت أن تكاليف الحفل مبالغ فيها فعندئذ يقف اعتماد النصف الثاني من منحة الزواج.
رأي علم الاجتماع
ومن جانبها تعزو السيدة شيخة المهدي -أستاذة الاقتصاد المنزلي بكلية التربية بجامعة قطر- أن من أهم أسباب ارتفاع تكاليف الزواج في قطر وبقية دول الخليج هو عدم وعي الشباب بأهمية بناء بيت مسلم. وتقول: "لم يعد بناء بيت وتكوين عائلة مسلمة قضية موضوعة في أولويات فكر الشباب المسلم؛ حيث يظل الشاب لمدة 14 أو 18 عاما يدرس؛ ليكون مدرسًا أو مهندسًا أو طبيبًا، لكن العملية التعليمية في البلدان العربية تهمل تأهيل الشباب أو الصبايا لكي يصبحوا أزواجا، بل إن هناك دعما لفكرة تأخير سن الزواج بحجة استكمال الدراسة وتكوين الذات، مع تدعيم فكرة أن الفتاة ذات العشرين عاما ما زالت صغيرة.. وتظل الفتاة صغيرة حتى تصل الثلاثين دون زواج، حتى يقرَّ ولي الأمر أن مطالبته بتكاليف باهظة قد حجزت لابنته مكاناً في صف العوانس!
وفي النهاية تؤكد الدكتورة "شيخة" أن غياب الوازع الديني، وتفكك شبكة العلاقات الاجتماعية، والعزلة، واتساع الطموحات التي وسَّعت الهوة بين التصورات والواقع بفضل الصورة الباهرة للزوجة أو الزوج التي لا تعدو مجرد أخيلة ساهمت في تشكيلها مؤثرات تقنية الصورة في مجالات الفن والسينما.. تعد أسبابا أخرى أدت لعزوف الشباب عن الزواج.
..........................................:) ما هو رأيك استاذ أبوم ميروان
|