عرض مشاركة واحدة
قديم 26-08-2002, 10:43 PM   #61
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وراء كل رجل عظيم امرأة

في عام 1930 عرض د. سليم على جمعية BNHS أن يقوم بدراسات ميدانية على أماكن كثيرة لم تكتشف بعد، ولم يطلب سليم أكثر من ثمن التنقلات والمعيشة في الغابات.. لاقت هذه الفكرة قبولاً عند مسئولي المقاطعات الملكية، وبدأ حياته كرحالة. كانت الأموال غير كافية على الإطلاق؛ فاعتمد على بعض أموال زوجته وبعض من أمواله القليلة.. قد تبدو هذه الفترة لأي شاب في مقتبل حياته فترة قاسية لا يراها مرضية لطموحه، ولكنها كانت لسليم وزوجته أحلى سنين العمر.

عشرون عاما قضاها يدرس فيها كل شبر في بلاده من قريب أو من بعيد، حتى أصبح من نوادر العلماء الذين يعرفون كل شبر في بلادهم. ولم يهتم د. سليم بنوع الطائر فقط، بل ببيئته، وتاريخه، وظروف معيشته وتوزيعه الجغرافي.. كان وصفه مميزاً؛ حيث كان يقول: "بسفري إلى المناطق النائية، أستطيع أن أدرس كيف تعيش وتتصرف الطيور في بيئتها الطبيعية، وليس في المعمل تحت الميكروسكوب".

هذه العشرون عاماً لم تكن مليئة بالإنجازات فقط، ولكن أيضا بالأحزان؛ فقد توفيت زوجته "تهمينا" في عام 1939 من جراء جراحة صغيرة.. بقى بعدها فترة وحدة وحزن قضاها عند أخته في بومباي.. لم تكن تهمينا زوجة عادية لسليم.. بل كانت وراءها قصة.

الانجازات

بعد فترة من العزوف عن العمل، عاود سليم دراسته للطير، وربما كان لموت زوجته دفعة له للانغماس فيه وإكمال مشوار رحلاته.. وفى عام 1960 أصبح الشاب- الذي رُفض من قبل بسبب نقص مؤهلاته العلمية- يشرف على العديد من رسائل الدكتوراة، ويصنع من علم الطير علماً مرموقاً يسعى الكثير لدراسته، بعدما كان لا يتعدى تسلية للرجل الإنجليزي.

زيادة على تقاريره العديدة، نشر د. سليم علي "كتاب الطير الهندي "Book of Indian birds في عام 1941، والذي يعتبر دليلاً في علم الطير، ويستطيع أي إنسان عادي أن يعرف من خلاله كيف يتعرف على الطير، ويلاحظه، ويعرف كيف تعيش الطيور في بيئتها، وتهاجر وتتزواج... إلخ. ولقد أهدى "نهرو" هذا الكتاب إلى ابنته التي علقت عليه قائلة: "لقد فتح الكتاب عيني على عالم جديد".

كتب 10 مجلدات عن طيور الهند وباكستان مشاركة مع عالم شاب أمريكي اسمه "S.Dillor"، وقد أعاد د. سليم اكتشاف الكثير من الطيور مثل "البايا"Finn Baya والذي لم يره أحد منذ مائة عام. وله عدة مؤلفات عن طيور بعض المناطق بعينها. وكتب أيضا "طيور التلال الهندية" وسيرة ذاتية له.

كان يقضي وقتاً طويلاً في دراسة الطائر الواحد دون كلل أو ملل.. ويذكر أنه درس طائر "الحباكweaverbird قرابة أربعة أشهر، والذي ساقه القدر ليقف على شجرة بجانب شباكه، ولم يكن يعرف الكثير عنه قبل ذلك.

بعد استقلال الهند عن إنجلترا، أصبح د. سليم علي أول هندي يعمل سكرتيراً للجمعيةBNMS ، وجعل منها مكاناً مميزاً، وأصبحت قبلة لعلماء العالم حتى يومنا هذا

http://www.bnhs.org/index.htm

توسعت الجمعية في أبحاثها لتشمل علوم الطير والحياة البرية، النبات والحيوان، بعدما عانت سنوات طويلة من قلة التمويل؛ حيث كتب د. سليم إلى رئيس الوزراء "نهرو" يحثه فيها على تقديم الدعم المادي الكافي لازدهار هذه الجمعية، الذي استجاب بدوره لنداء د. سليم.

الميداليات

حصل على عدة جوائز من أهمها جائزةPadma Vibhushan من الحكومة الهندية، وجائزة Paul getty الدولية في عام 1976 والتي قدرت بـ 50 ألف دولار جعلها كلها في شكل منح وجوائز تمنحها الجمعية للطلبة المحتاجين. كما حصل أيضا على جائزة Golden ark من الاتحاد الدولي للمحافظة على الطبيعة والميدالية الذهبية من الاتحاد الإنجليزي لعلم الطير، والتي نادرا ما يحصل عليها غير الإنجليزي. وفى عام1985 عين نائبا في البرلمان، وحصل على ثلاث دكتوراة شرفية

" سقوط العصفور الساخر"

كان د. سليم علي في عيون تلاميذه أبًا لكل من عرفه، ذا علاقة حميمة بأبنائه، وكان الرجل العجوز الذي تلجأ إليه دائماً.. بعيونه اللامعة وشكله القريب من العصفور. مع هذا كله، عرف عنه صرامته الشديدة في تأديبه.. عصبي المزاج، يهتم بالتفاصيل لدرجة الوسوسة، ولا يجرؤ أحد أن يدخن أو يغط في نومه أثناء رحلاته معه.

خفة ظله لم تمنع من روحه الساخرة.. كان يبعث برسائل إلى تلامذته الرحالة دون إبطاء ويعلق على كل صغيرة وكبيرة، بداية من المادة العلمية إلى دقة اللغة الإنجليزية.

أحب الأدب والآيس كريم.. وهوى كتابة الخطابات؛ حيث كان ينفق مبالغ كبيرة على الطوابع ليكون على اتصال بأصدقائه من الطلبة والعلماء أو حتى فقراء القرى الذين قابلهم في رحلاته.

يومه شديد الروتين، يستيقظ في الخامسة صباحا، يمشي في جولة خفيفة، يعمل بعض الوقت، ثم يذهب إلى الجمعية في تمام العاشرة إلا الربع.. لا يسهر بعد العاشرة مساء؛ حيث كان يقول عن نفسه: "مثل الطيور، أحب العمل في الصباح".. كانت روحه مليئة بالحيوية حتى في كبر سنه، وكانت آخر رحلاته إلى جبال الهمالايا للبحث عن السمان الجبلي Quail الذي لم يلمحه أحد منذ قرن.

ولكن المرض داهمه فجأة وأصيب بسرطان البروستاتة.. وكانت آخر أمنياته إنشاء معهد لعلم الطير في بومباي؛ حيث تحامل على نفسه وذهب لمقابلة رئيس الوزراء "راجيف غاندي" الذي وعده بتحقيق ذلك قبل وفاته بشهرين.

سقط العصفور صريع المرض؛ فلم يجد بُدًّا من إكمال سيرته الذاتية قبل وفاته في يوليو 1987، والتي اختار لها اسم "سقوط العصفور" Fall of a sparrow


 

رد مع اقتباس