هـل السـعـادة حقاً حـلـم لا يـتحــقـق؟!..فريق علمي (يبحث عن السيطرة على السعادة)
هـل السـعـادة حقاً حـلـم لا يـتحــقـق؟!..
بلغت الحضارة في عصرنا العتيد أوج التقدم والرقي العلمي، بما أحدثته الثورة التقنية من اختراعات وابتكارات، حققت لأربابها ما يطمحون إليه من أغراض ووسائل تؤمن لهم معيشة أكثر رفاهية مما سبق، وذلك باختلاق النظم و القوانين، بغية تسخير موارد الطبيعة، لتجود لهم أكثر مما كانت عليه، وتبديل أنماط حياتهم نحو الأفضل والأرقى، فكان اختراع السيارات والطائرات واكتشاف الكهرباء والالكترونيات، وبناء القصور الشامخات، وتشييد المصانع الضخمة بأكبر قدر من التكنولوجيا.
كل هذا سعياً وراء حياة يَهنَؤون فيها بالعيش الرغيد والسعادة المأمولة .
إلا أنه رغم جميع السنن والخطط التي سلكوها، والوسائل التي أحدثوها، بقيت حلقة مفقودة في سلسلة حياتهم، أورث ضياعها قلقاً نفسياً حاداً، عانت منه البشرية قاطبة، فرغم العلم الحديث المتطور، الذي حلَّق فوق بلادهم بقوانينه الجبارة وكشوفاته وتقنياته كانت السعادة غائبة عنهم، والسرور القلبي قد انعدم لديهم، بسبب الحجاب المادي الكثيف الذي ألقى ظلاله القاتمة على الأنفس، فسدَّ عنها النور والسرور والحياة الإلهية القلبية والسعادة.
عندها أخذ البعض يتساءل عن سبيل لبلوغ السعادة المرجوة، وهل يمكن السيطرة بالقوانين المادية على جوهر السعادة للوصول بالأصول لتحصيلها علمياً، والسيطرة عليها ونوالها.
هل من الممكن إخضاع السعادة لتلك القوانين العلمية الجبارة، فتأتيهم صاغرة خادمة طائعة بين أيديهم؟!. فيتمتعون بالسعادة المأمولة وتغدو الأرض جنَّة!.
فريق علمي (يبحث عن السيطرة على السعادة) بالقوانين المادية وذلك في النصف الأول من القرن العشرين :
لأجل هذا الهدف، وحبّاً للاكتشاف والنوال للسعادة وبحثاً عنها، قامت هيئة باحثة دارسة ضمَّت فريقاً بريطانياً حوى كبار العباقرة والجهابذة والعلماء والفلاسفة وأطباء النفس المتخصصين ليدرسوا هذه القضية الهامة( السعادة )،
ويطلقوا سهماً علَّهم يصيبون به هدفهم الذي كل ما سواه إنما اخترع لأجل تحصيله.
أخذ الفريق يقلب طبقات وشرائح المجتمعات البشرية، رفيعها ووضيعها، فقيرها وغنيها، يتفحصها بدقة واهتمام ( يسبر مدى السعادة المكنونة في طياتها، وعند من تنحصر مادة السعادة، ومن هم مالكوها، وكيف السبيل للوصول إليها )؟.
كل ذلك ليقروا منهجاً يحتذي المجتمع بقوانينه، ويكون لهم مرشداً ودليلاً لبلوغ مسرات مطلقة بديمومة مدى الحياة دون نغص أو كدر، فيمتطي الجميع سفينة السعداء، ويخوضوا بحار الصفاء والهناء، ليسعدوا بحياة ملؤها الحبور والسرور، فنتقلب بأحضان النعيم من جميل لأجمل، ونعرج من حسن لأحسن، ومن طيب لأطيب، ببدع لذيذة ممتعة جذابة خلابة تأخذ بمجامع القلوب وتسلب الألباب، وتسحر الأفئدة، فتمتصُّها بكليتها بغبطة وهناء، وأفانين متزايدة متعاظمة، وذلك ضمن قوانين وقواعد صارمة بالدقة، تُتَّبع لنيل سبل السعادة.
كثيرون هم أولئك الذي يسعون نحو الحياة الأفضل، ليكونوا فيها أسعد حالاً، وأهدأ بالاً، وأكثر استقراراً وطمأنينة وبسطاً وهناء، إذ أن السعي نحو الكمال بتحقيق السعادة ضمن قانون شامل تخضع له البشرية قاطبة، وتتميز به عن سائر المخلوقات، هو الهدف المنشود.
في سماء الأغنياء المترفين :
وحيث أن الأكثرية الساحقة من الناس يحسبون أن السعادة الكاملة والحياة الطيبة يحققها المرء إذا أصبح ذا مال وفير، وغنى كبير،وقصر رائع مهيب،
وممالك تنحني لها الرؤوس إكباراً، لذلك تراهم يتبارون ويتنافسون في جمع أكبر ما يمكن من الأموال والكنوز، ويبذلون قصارى الجهد في سبيل الحصول عليها، من دراسات ومشاريع وتجارات، فيركبون المخاطر والمشاق، ويضربون في مشارق الأرض ومغاربها، برّاً وجوّاً وبحراً لنيل شهادات، بغية قطف ثمار السعادة بنتاجها المعنوي والمادي، أو عقد صفقات تجارية رابحة ضخمة، أو الحصول على مشاريع مالية كبرى، فيتحملون في سبيل ذلك ما يتحملون، ظناً منهم بأنهم يحصلون بالمال على ما يشاؤون، كما يؤمِّنون به ما يرغبون ويحبون ( فلا مانع ولا حاجز يحول بينهم وبين العيش الرغيد بأعظم ما يمكن من الرفاهية والرقي )، فالدنيا فتحت لهم أبوابها وقالت هَيت لكم، ولكن هيهات..
بدأ الفريق العلمي يبحث ويمحِّص ويحقق في تلك الشريحة من المجتمع، وهي الطبقة الراقية من الأغنياء والأثرياء، عله يصل إلى ما يصبو إليه، ويعثر على تائهته من السعادة المأمولة، ضمن أصول القوانين المادية، ولكن سرعان ما رجع الفريق بخيبة الأمل، وضياع الجهد والمسعى، على غير طائل ولا نتيجة تحمد، هذا عندما استقبله قلق هذه الفئة واضطرابها، إذ أخذ أفرادها يرنون بأبصارهم إلى الماضي، حين كانوا لا يملكون من الدنيا شيئاً يذكر، فلا همّ ولا غمّ ولا نغص، بل راحة بال وصفاء وبسط.
ذلك لأنهم عندما حازوا القصور الفخمة، والمعامل و المصانع الضخمة، بدأ التنافس على أشده، والتناحر والصراعات المحمومة المنتهية بالنزاعات و المحاكمات، والأحقاد للأضداد، والشغل الشاغل في التخطيط والكيد والمؤامرات، بغية قهر المنافسين، ولا تخلو أمسياتهم من حسابات ودراسات، فضاعت حقوق زوجاتهم وبنيهم، وفقدوا السعادة الأسروية، وانشغلوا بالجمع والمنع عن منح حقوق ذويهم من الأهل والأقرباء، ونسوا حظَّ المساكين والفقراء، وعندما يبدو لهم نصر الأعداء وفشل تجارتهم تغدو لياليهم مليئة بالرعب والهلع، وقلما يطرق النوم أجفانهم، فلا ذوق لراحة البال،ولا معنى للاطمئنان في أمسيات حياتهم، فشبح الاغتيال يعكِّر صفوهم، والفشل والخسارة المحتملة بصراعاتهم تقض مضاجعهم، تهدد شموخ بنيانهم بالانهيار، وحيث أنهم أيضاً يشكِّلون نقطة هدف عند المجرمين والسارقين، فبات القلق خليلهم، وإن استطاعوا حماية أنفسهم كانت احتمالات الخسارة تلوح دائماً في مخيلتهم، فلا أمان على تجارتهم من البوار، فهم في شغل دائم بحسابات الربح والخسارة.
قلوبهم وجلة مضطربة على هيكل المجد والغنى الذي شيدوه، خشية السقوط والاضمحلال كيلا يفقدوه.
يتبع بحلقة اخرى ان شاء الله
|