عرض مشاركة واحدة
قديم 21-03-2008, 11:58 PM   #1
طالب الاله
عضو فعال


الصورة الرمزية طالب الاله
طالب الاله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 23050
 تاريخ التسجيل :  02 2008
 أخر زيارة : 29-03-2008 (12:40 AM)
 المشاركات : 49 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
الشهادة العليا التي تخلصك من كل ما يحزنك وينغص عيشك



الإيمان طريق الاستقامة
ولعلك تسأل: كيف الطريق لهذا الإيمان والالتجاء الدائم؟. فأقول:
ليس الإيمان بالله اعترافاً قولياً، إنما هو شعور داخلي ولَّده في النفس
بحث ذاتي، وتفكير
متواصل، فجعل صاحبه يسبح في جلال الله، ويخرُّ ساجداً لعظمته،
كما آمن سيدنا إبراهيم عليه السلام.
فما أن هداه تفكيره من ثنايا صنع جسمه وسمعه وبصره إلى أن له خالقاً مربِّياً , وإلهاً مسيِّراً، حتى انطلق يبحث عن هذا المربي، ويتساءل من هو صاحب العناية البالغة والإمداد المتواصل؟.
فلما جنَّ عليه الليل : {.. رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي ..}!.
{.. فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ}(76) سورة الأنعام:
إذ ما يكون لهذه العناية الساهرة على تربيته أن تنقطع عنه أو تغيب، ولو أنها غابت عنه لحظة واحدة لانقطع عنه إمدادها، ولسرى إليه العدم والفناء.
أرأيت إلى ذبالة الشمعة إذا انقطع عنها إمداد الشمع، ما يكون مصيرها؟. لاشك أن شعلتها تنطفئ لساعتها، ولا يعود لنورها بقاء،إذن: ما عليه حتى يصل إلى معرفة خالقه ومربيه إلا أن يستأنف البحث من جديد ...
واستمر سيدنا إبراهيم عليه السلام في بحثه :
{فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي ..} !.
{.. فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}(77) سورة الأنعام
:فما القمر الذي غاب عنه نوره بإۤلههِ ومربيه، فلو كان إۤلهاً لغاب الوجود مع غياب الرب الموجد.
ثم واصل بحثه، ومن كان صادقاً في الطلب لا يكلُّ ولا يفتر: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} (78) سورة الأنعام:
بادعائكم أن هذه الأصنام آلهةٌ أو أن لها فعل.
لقد شاهد عليه السلام أن هذه الأجرام السماوية ليست عليه دائمة الإشراف، إنما تغيب مختفية وراء الآفاق. إنها مرتبطة مع غيرها بنظام كامل شامل , تدبِّر أمورَه وتشرف عليه يدٌ واحدة.
إنما ربه هو الذي يمدُّه ويمد (الشمس,والكواكب,والقمر ),والذي عمَّ إمداده السموات والأرض ... إن ربه هو خالق الكون كله ومربيه وإۤلهه، فما من حركة في الكون إلاَّ به,وهو وحده المتصرِّف، لا يشاركه في ذلك أحد سواه,وذلك ما تعبِّر عنه كلمة :( لا إله إلا الله). إنه الله تعالى الذي يذهب بالأجيال ويفنيها بعد أن يطعمها ويغذيها , ثم يأتي بأجيال جديدة يرزقها وينميها،وهو الرحيم بها، وما عداه زائل
وباطل,وهو الباقي، الخالق، الرازق. فوصل سيدنا إبراهيم إلى شهود ربه وكمالاته العظمى، وهو قدوة كل مؤمن.
فالإيمان سعي كسبي، إذا توصل الإنسان إلى هذا الإيمان فعرف
خالقه وإۤلهه ومربيه صار على يقين ثابت على الحق، عديم الارتداد للباطل قطعاً، وأدرك أنه تعالى هو المسيِّر لشؤون الكون كله، فلا إۤله إلا الله، وما من متصرف سواه، هنالك تخشع نفسه لربها وتخشاه، وتدخل في حصن حصين من الاستقامة، فلا تستطيع أن تخرج عن
أمره تعالى في شيء , وبهذا تقبل نفس هذا المؤمن على ربها واثقة من رضائه عنها، فتصلِّي وتحصل لها الصلة، وتشتق منه تعالى الكمال،وذلك هو الذي توصَّل إليه سيدنا إبراهيم عليه السلام، وما
ضرَّه أن أباه وقومه كانوا يعبدون الأصنام،وذلك هو الذي بدأ به سيدنا
محمد (ص) طريقه، لا سيما بغار حراء،وما زال يتدرج فيه ويعرج في الكمال من حال إلى حال حتى بلغ سدرة المنتهى, ووصل المقام الذي لم يُدانِهِ فيه إنسان. {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ..} (90) سورة الأنعام. فإن كنت صادقاً فعليك بالتفكير بآيات الله كما فكَّر الرسل والأنبياء الكرام، وكما جاء بالحديث الشريف:
« فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة » (2).
وإن ضياء الإيمان التفكّر .
وكذلك قول سيدنا عيسى عليه السلام:
(طوبى لمن كان قيله تذكراً ، وصمته تفكّراً، ونظره عبرةً، يا ابن آدم الضعيف اتَّق الله حيثما كنت، وكن في الدنيا ضيفاً، وعلِّم عيناك البكاء، وجسدك الصبر، وقلبك الفكر).
وقد أورد سيدنا لقمان عليه السلام:
( إن طول الوحدة ألهم للفكرة، وطول الفكرة دليل على طرق باب الجنَّة).
وتلك هي الطريق الوحيدة للوصول إلى الكمال والأمن والأمان، ولا تجتمع الظلمة والنور، لذلك يفرُّ الشيطان من المكان المتواجد فيه النور الإۤلهي لئلا يحترق.
ومن أقوال التابعين رحمهم الله في التفكر:
- عمر بن عبد العزيز: الكلام بذكر الله حسن، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة.
- وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم، ولا فهِمَ إلا عَلِم، ولا عَلِمَ إلا عمل.
- مغيث الأسود: زوروا القبور كل يوم تفكِّركم، وشاهدوا الموقف بقلوبكم.
- سفيان بن عينيه: الفكر نور يدخل قلبك. إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة.
- بشر بن الحافي: لو تفكّر الناس بعظمة الله ما عصوه.
والحقيقة من نظر إلى الدنيا بغير العبرة والتفكر بذكر الله وما والاه انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة، ونزهة المؤمن الفكر، ولذَّته العبر، فرب لاهٍ وعمره قد تقضَّى وما شعر.
ورحم الله ابن يوسف العظيم حين قال:
إن امرءاً ذهب من عمره ساعة في غير ما خُلق له لحريٌّ أن تطول حسرته إلى يوم القيامة. وكذلك الصحب الكرام فكّروا ومن تبعهم بإحسان، فإنه لا سلطان للشيطان عليهم فنُصروا.
وفي وقعة حنين قال تعالى: {.. فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ ..}:الشيطان:{.. عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ ..} (48) سورة الأنفال.
فإذا أنت وصلت إلى هذا المقام عن طريق العقل والمشاهدة
النفسية، لا عن طريق السماع والنقل، وصرت ترى أن الأمر كله بيد
الله، وأن الناس جميعهم والخلائق كلها لا يستطيع أحد منها أن يجلب
لك خيراً، أو يدفع عنك شراً، أو يمدَّ لك يده بسوء، أو يغيِّر من شأنك
تغييراً، إلاَّ من بعد إذن الله بالاستحقاق عندها: تدخل في حصن
الاستقامة، فلا تريد أن تخرج عن حدود الله , وليس لأحد من سلطان
عليك لا من الجِنَّة ولا من الناس أجمعين.
لقد اصطبغت نفس هذا المؤمن الصادق السالك بطلب الحق والحقيقة
المجرَّدة بصبغة من الله، ومن أحسن من الله صبغة.
عندها يقول هذا المؤمن:
لا إۤله إلا الله، فيشهد معناها شهوداً نفسياً. فإذا قال بلسانه: أشهد، فما اللسان إلاَّ ترجمان ما شَهدتْهُ نفسه وعاينته من حنان وعطف... تلك اليد التي تسيِّر الكون كله، غامرةً إياه بفيض من التلطُّف والرأفة والرحمة والحنان والفضل والإحسان.
وكلما كرَّرها اللسان مرة، أذكى القول الشعلة في النفس، فأضاءت واتَّقدت، وأضافت النفس إلى شهودها شهوداً، والله أكبر، ولا نهاية ولا حدَّ لذلك الشهود العالي السامي الجميل والعلم به ولا انتهاء.
أمَّا رسول الله (ص) فما أعظم رسول الله في الحقيقة!. وماأجلَّ مقامه عند هذا الإنسان!. إنه السيد الأعظم، الذي فاز بالقرب من الله بأعلى منزلةٍ وأسمى مقام.. المؤمنون جميعاً مؤتمُّون به وتحت لوائه، وهم أبداً في صلة دائمية معه، وهو الداخل بهم على الله، وهو الأول
في هذا المجال، وهو الإمام. لذا أمرنا تعالى بالصلاة عليه (ص):
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (56) سورة الأحزاب
فيا سعادة النفس إذا هي صلَّت واتَّصلت بهذه النفس الطاهرة، فكانت بمعية الحضرة الإۤلهية والإقبال على الله.
تلك معانٍ يشعر بها هذا الإنسان المؤمن بذاته حال إقباله على الله، من شهادة أن لا إۤله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن صومٍ، وصلاةٍ، وحجٍّ، وزكاةٍ، يشعر بها هذا الإنسان فتطير نفسه شعاعاً، وكثيراً ما تفنى عن ذاتها مستغرقة بهذا الشعور، ثم تعود وهي أسمى ما تكون علماً وتذوُّقاً قلبياً سامياً وشهوداً، وأكثر مما كانت عليه معرفة، وأعظم لله تعالى حمداً وشكراً.
وهي أبداً في سعادة وارتقاء وحياة طيبة،غفل عنها كثير من الناس، فظنوا الأوامر الإۤلهية أموراً تعبدية، وحسبوها تقديماً لواجب الخضوع، ونسوا حظاً مما ذكِّروا به،فضلّوا عن السعادة، وأضلُّوا كثيراً.
فإذا شهدتَ أن لا إۤله إلا الله، وأتْبعتَ ذلك بصوم وصلاة وحج وزكاة، فعندئذٍ تكون أهلاً لأن تشهد أنَّ محمداً رسول الله، وتستطيع أن تدخل تلك الجامعة، وتتَّصل بذلك المعلم العظيم، الذي يعلِّمك الصلاة
والصيام والزكاة والحج، وتتابع الدراسة فتكون من أهل التقوى وأهل المعرفة بالله:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ..}
(2) سورة الجمعة.


يتبع
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس