11-09-2002, 06:28 PM
|
#66
|
عضو نشط
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1342
|
تاريخ التسجيل : 03 2002
|
أخر زيارة : 13-02-2003 (10:44 PM)
|
المشاركات :
241 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الـمـحـنـه
كانت محنة السيد عمر المختار هو انتقال المشيخة في الطريقة السنوسية إلى السيد إدريس السنوسي، والسيد إدريس يرى أن تسليم جزء من الوطن للمحتل جائز، بل يرى أن يتسلم هو وزعماء الطريقة مرتبات شهرية من إيطاليا، بالإضافة إلى منازل معدة لهم، وأراضٍ زراعية معفاة من أي ضرائب، خلاصة الأمر هو قبول رشوة مقابل التنازل عن جزء من الوطن، فماذا يكون موقف المريد عمر المختار وزملائه؟ اجتمع زعماء القبائل ومشايخ الطريقة، وقدموا وثيقة في غاية الخطورة إلى السيد إدريس، يقومون فيها بمبايعته قائداً وشيخاً وأميرًا لهم، ولكن في هذه الوثيقة يحددون هدف المبايعة، ألا وهو قيادتهم في الجهاد ضد الغزاة، ولم يجد إدريس السنوسي مفراً من القبول الشكلي للبيعة، وتجتمع جموع المجاهدين في عام 1922م، فماذا يفعل السيد إدريس وهو قد وقّع بالفعل على وثيقة صلح مع إيطاليا، فما كان منه أن رحل إلى مصر في اليوم التالي لقبوله البيعة؛ مدعياً المرض وحاجته للعلاج! فتوجه إليه السيد عمر المختار وبعض صحبه، فلم يجدوا في شيخهم علة جسدية، وأرادوا منه أضعف الإيمان أن يمدهم بالمال والسلاح فلم يجدوا منه جواباً، فأعلنوا موقفهم الإيماني والجهادي الصريح، إن ضل الشيخ فهذا ليس لنا بحجة أمام الله، وأن الجهاد فرض علينا، وأننا سنمضي في جهادنا للأعداء، غير متعرضين لمن خذلنا، ومن ثم تقدم عمر المختار الصفوف ليقود حركة الجهاد من عام 1922، ويتكرر الموقف مرة ثانية؛ إذ يأتي أحد أبناء السنوسية، وهو رضا هلال السنوسي ليكرر هذه الفتنة بين المجاهدين (بعد عام واحد من فتنة إدريس السنوسي) إذ يعلن اتفاقه مع إيطاليا على أن يلقى السنوسيون السلاح، بل يبالغ في إعلان هذا الاتفاق ويضع بيده الصليب على قبر جده مؤسس الطريقة السنوسية.
ويعلن عمر المختار وصحبه أنهم لن يضعوا سلاحهم، ولكنهم لن يتعرضوا لمن أراد ذلك، وينتهي أمر هذا الهلال إلى أن تقبض عليه إيطاليا بعد فشله في وقف الجهاد ونفيه إلى إيطاليا، وتتكرر المأساة على يد الحسن بن رضا السنوسي وذلك أثناء مفاوضات عمر المختار مع إيطاليا، إذ يذهب الحسن بشروط المجاهدين إلى الطليان، ويعود بشروط ما هي إلا استسلام المجاهدين للطليان مقابل بعض المال للحسن، وبعض المال لقادة المجاهدين، فيقول له عمر المختار: "لقد غروك يا بني بمتاع الدنيا الفاني، وقد انتهى الحسن نهاية أبيه".
أما محنة الإغراء فهي كانت عروضا عديدة بأموال وبيوت مريحة وأراضٍ زراعية معفاة من الضرائب للسيد عمر المختار، وكان رده على هذه العروض كلها: "لم أكن يوماً لقمة سائغة يسهل بلعها على من يريد، ولن يغير أحد من عقيدتي ورأيي واتجاهي، والله سيخيب من يحاول ذلك".
عمر المختار قائد المجاهدين
إن هذا الجانب من شخصية السيد عمر المختار قد تناولته الأقلام وترجمته شاشة السينما في عرضها لجهاد الرجل، ولكن سنبرز هنا تنظيمه للمجاهدين.
بدأ السيد عمر المختار في الاتصال بالقبائل، وقام بحصر عدد القادرين على الجهاد، وبدأ يجمع هذه الأعداد معه في عملياته العسكرية، وذلك بشكل متتابع، وجعل لهم معسكرات يجتمعون فيها ويتدربون، وقد عرف النظام والمعسكرات باسم الأدوار، وقد اختلف المؤرخون في عددها بين ثلاثة أو أربعة أو أكثر، وذلك النظام أعطى فرصة للمقاتلين في متابعة أمور حياتهم، كما نظم أمور الفصل في الخصومات - وهو الخبير في هذا الأمر - والأمور المالية والإمداد والتموين للمجاهدين، وكذلك عملية الاتصال بالجهات الخارجية سواء في تونس أو مصر؛ لإمداده بالسلاح والمال اللازمين لمواصلة الجهاد، وجعل من الجبل الأخضر معقله، ولكن ضرباته كانت تطارد الإيطاليين في كل أرض ليبيا، وعاش المجاهدون حياتهم مع السيد عمر بين كر وفر، بين نصر وهزيمة، ولكنهم لم يعرفوا معه معنى الضعف أو الاستسلام لهزيمة أو حصار من أعدائهم، وظل كذلك حتى في أحرج اللحظات، سواء في أثناء الفتنة الداخلية التي حرص عليها مشايخ السنوسية الطامعون في الدنيا، وكادت تشتعل الحرب الأهلية، فما كان منه أن أخرج مصحفه وأقسم ألا يتوقف عن قتال الإيطاليين حتى لو قاتلهم وحده، فلا يلبث المختلفون معه أن يتوحدوا مع صف المجاهدين. وكذلك أثناء الحصار، ثم المحاكمة قبل إعدامه، عندما سئل: لماذا قاتلت الدولة الإيطالية؟ فيجيب: دفاعاً عن ديني ووطني.
ويقوم الإيطاليون بجمع القبائل لمشاهدة إعدامه، ويسقط جسد الرجل، وترتفع روحه إلى السماء، وترتفع مبادئه، وما يلبث أعداء الله إلا قليلاً حتى يسلط الله عليهم من يسقط رايتهم، ويزيل عدوانهم عن أرض ليبيا جميعاً.
"فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما من ينفع الناس فيمكث في الأرض".
|
|
|