عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2009, 02:11 AM   #157
اسامه السيد
عضومجلس إدارة في نفساني


الصورة الرمزية اسامه السيد
اسامه السيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19648
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 10-11-2020 (02:43 AM)
 المشاركات : 12,794 [ + ]
 التقييم :  94
لوني المفضل : Cadetblue


لعب عيال
--------


لا أذكر أن شمس النهار كانت تغيب عنى أو أغيب عنها فى ربوع حارتنا الصغيره

.. كنتُ أخرج مع طلعتها من بيتى ؛ فأقطع الحارة جيئةً وذهاباً ؛ أُنادى على رفاق

الطفولة مُجمَّعاً إياهم للعب فى " الوسعاية " أمام دكان ( عم بطاوى ) الفرارجى

الكائنه بشرق الحارة ...

يتجه الأولاد للعب الكره ؛ بينما البنات يلعبن " الأوله " ؛ حتى إذا سئم الفريقان

اجتمعا سوياً ليلعبوا جميعاً " الاستُغُمَّايه " .. ويحدث أثناء انهماكى فى اللعب أن

أشعُر بيد صغيره تتسلل الى رأسى جاذبةً شعرى برفق ؛ واسمع صوتها الضاحك

قائلاً فى مُداعبه : " إيه ده ياواد يازكى ؟؟ شعرك ناعم زى البنات !!" .. ألتفت اليها

بموَدَّة وأبتسم .... إنها ( وزَّة ) بنت ( عم بطاوى ) التى تُماثلنا سناً ؛ لكنها تمتاز

عنَّا بإبتسامتها العذبه ؛ والتى لم أر أجمل منها .. كانت شفتاها الصغيرتان

تفتران عن ثغر نضيد وأسنان لؤلؤيه مُتراصَّه ومُكتمله ؛ على حين كان أغلبنا قد

سقط بعض أسنانه بفعل التسوس أو بسبب التبديل ....

كُنّا نتشارك معاً فى اللعب ؛ حتى إذا أدركنا التعب أشارت لى فى خفيه ؛

مُيممةً شطر مصنع الخزف المُقام على مبعدة يسيرة من دُكان أبيها ؛ فألحق

بها هناك ؛ ونجلس سوياً بين قطع الخزف المكسوره والتى يُلقي بها عُمــال

المصنع ؛ ننتقى منها مانستطيع إكماله وتطويعه لخيالنا الطفولى الخصيب ..

فهذا الضابط ( زكى ) عائد من الميدان ؛ متوشحاً سلاحه ؛ مُرتدياً خوزته ؛ راكباً

سيارته الجيب العسكريه .. وهذه الست ( وزَّة ) تقف فى شُرفة بيتها مُلوِّحةً

له بكلتا يديها ؛ داعيةً إياه لزيارة بيتها ..

كُنَّا نقضى الساعات الطِوال بين هذه القطع المُتناثرة ؛ نبنى أحلاماً ورديه ؛ ونُقيم

حياةً خياليه ؛ حتى إذا آذنت الشمس بالمغيب عُدنا الى ديارنا لتناول العشاء ؛

قبل أن نُعاود الخروج للسهر فى " الوسعايه " نُردد الأُغنيات المُنبعثه من راديو

دُكان ( عم بطاوى ) ونُصفِق على إيقاعاتها الراقصه ....

فى يومٍ أذكره جيداً نزل بحارتنا لاعب " الأراجوز " ناصباً مسرحه البسيط فى

الحارة ؛ جاذباً إيانا بدقات طبلته العاليه المُتتابعه من لعبنا ولهونا ؛ لكى نجتمع

أمامه لمُشاهدة فنونه ؛ والإستمتاع بقصصه ونِكاته المُضحكه ..

انتظمنا أمامه فى صفوف ؛ وجلست الى جانب صديقتى ( وزَّه ) مُستمتعين

بما نرى ؛ ضاحكين على مانسمع ؛ حتى أنهى عرضه ؛ وبدأ فى لملمة عدته

مؤذناً بالرحيل الى حارة أُخرى ...

نظرتُ الى ( وزَّة ) ونظرت لى .. تلاقت رغبتنا على اتباعه لننال قسطاً آخر من

المُتعه بألعابه المُسلْيَّة .. شبكنا أيدينا وسرنا خلفه حتى خرج من الحارة ونحن

خلفه ؛ هبط فى حارة أخرى ؛ ثم ثالثة ؛ فرابعه ؛ كل ذلك ونحن ذاهلين

عما حولنا ؛ هائمين فى جو الحكايات المُنبعثه من هذا العرض المُمتع ..

انحدرت الشمس نحو أفقها الغربى ؛ فجمع " الأراجوز " متاعه مُنطلقاً الى داره..

ألفينا أنفسنا فى مكان لم نألفه من قبل ؛ انتبهنا لأنفسنا وأفقنا من سعادتنا ..

إذاً : فقد تُهنا عن بيتنا ؛ ولا سبيل للرجوع ....

نظرتُ الى (وزَّة ) فرأيتً ابتسامتها الجميله قد غاضت من وجهها وحلت مكانها

آيات القلق والحيره ..توقفتُ أنا أيضاً حائراً لاأدرى ماذا أصنع ؟!

طفرت الدموع الى مآقينا .. بدأت أعيُننا فى بُكاء مكتوم ؛ مالبث أن فضح نفسه

بنحيب مسموع ... التفت الينا بعض الماره .. سألنا : " مالكم ياولاد ؟! انتم تايهين ؟!"

وقعت الكلمه فى مسامعنا موقعاً مُخيفاً زاد من بُكائنا .. عاد الرجل للسؤال :

" طيب انتم منين ؟! " رددتُ من خلال دموعى :" من حارة عم بطاوى " .. هز

الرجل رأسه مُستغرباً حائراً ..تجمع كثيرٌ من الماره مستطلعين .. ضاعف

تجمُّع الناس من خوفنا وإنزعاجنا ..

فجأة ؛ شق هذا الجمع ( الأُسطى شلبى ) ابن حارتنا وصاحب دكان إصلاح

بوابير الجاز فيها .. أحدث ظهوره فى أنفسنا مايُحدثه المُلتقى بأبيه بعد الضياع

قال الأُسطى للمُجتمعين : " خلاص ياجماعه ؛ دول ولاد حارتى ؛ وأنا ح أرجعهم "

سرنا خلفه حتى دخلنا الحارة مُشتبكى الأيدى كما خرجنا منها .. استقبلنا أهلونا

بالفرح بعد أن أخذ منهم القلق لغيابنا كل مأخذ .. غطى فرح الأهل على كلمات

العتاب والتأنيب اللازمه فى مثل هذه المواقف ..دخلتُ الى دارى فرحاً بالعوده

مُتعباً مما مر بى ؛ ومن شدة تعبى نمتُ دون عشاء !!!!!!

دارت الأيام بالجميع ؛ وبنا ...

كبرت ( وزَّة ) وكبرتُ أنا ... تزوَّجت ( وزَّة ) وبقيتُ أنا ....

وبين عشيةٍ وضُحاها وجدتُ الحارة وقد خلت منها بإنتقالها الى بيت زوجها ....

أخذت ( وزَّة ) معها أياماً سعيده؛ وذكرياتٍ حُلوة ؛ وآمال وأمنيات ذهبت أدراج

الرياح ....

لكنها أبداً أبداً لم تأخُذ ابتسامتها الجميله ...

( تمت )


 

رد مع اقتباس