عرض مشاركة واحدة
قديم 30-01-2010, 08:09 AM   #8
noooor
V I P


الصورة الرمزية noooor
noooor غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5696
 تاريخ التسجيل :  02 2004
 أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
 المشاركات : 8,386 [ + ]
 التقييم :  87
لوني المفضل : Cadetblue


.

{ .. الحديث الثاني .. }


حديث: مجىء جبريل ليعلم المسلمين أمر دينهم


وعن عمر -رضي الله عنه- أيضا قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه.

فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه!

فقال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت.

قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.

قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان.

ثم انطلق فلبثت مليًّا، ثم قال: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم رواه مسلم.



هذا الحديث حديث عظيم أيضًا، سماه بعض أهل العلم أم السنة، سمى هذا الحديث أم السنة، يعني: كما في القرآن أم القرآن، فهذا الحديث أم السنة؛ لأن جميع السنة تعود إلى هذا الحديث.

فإن الحديث فيه بيان العقيدة، والعقيدة مبنية على أركان الإيمان الستة، وفيه بيان الشريعة، وذلك بذكر أركان الإسلام الخمسة، وفيه ذكر الغيبيات والأمارات؛ بل قبل ذلك فيه ذكر آداب السلوك، والعبادة، وصلاح توجيه القلب، والوجه إلى الله -جل وعلا- بذكر الإحسان، وفيه ذكر الساعة وأمارتها، وهذا نوع من ذكر الأمور الغيبية ودلالات ذلك.

فهذا الحديث يعود إليه جل السنة، كما أن قول الله -جل وعلا- في آية النحل: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } .

قال طائفة من مفسري السلف: دخل في هذه الآية جميع أحكام الدين، جميع الدين في هذه الآية، وجميع أصول الأحاديث النبوية في هذا الحديث، وهذا الحديث معروف بحديث جبريل، وروايته على هذا الطول عن عمر -رضي الله عنه- وروي أيضًا، مقطعًا ببعض الاختصار في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

وهذا الحديث فيه ذكر الإسلام والإيمان والإحسان، وفيه أن هذه الثلاثة هي الدين؛ لأنه في آخرها قال -عليه الصلاة والسلام-: أتاكم يعلمكم دينكم فإذًا الدين الذي هو الإسلام منقسم إلى ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان.

وهذا نخلص منه إلى قاعدة مهمة وهي أن الاسم العام قد يندرج عنه، قد يندرج فيه أنواع منها الاسم العام؛ لأن الإسلام هو الدين فجمع هذه الثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان؛ فالإسلام منه الإسلام، وهذا مهم في فهم الشريعة بعامة؛ لأن من الألفاظ ما يكون القسم هو اللفظ ذاته، يعني: أحد الأقسام هو اللفظ ذاته، وله نظائر إذا وجد هذا، فالاسم العام غير الاسم الخاص.

ولهذا نقول: الاسم العام للإسلام يشمل الإسلام والإيمان والإحسان، وليس هو الاسم الخاص إذا جاء مع الإيمان ومع الإحسان؛ لهذا لم يلحظ هذا الأمر طائفة من أهل العلم، فجعلوا الإسلام والإيمان واحدا، ولم يفرقوا بين الإسلام والإيمان حتى عزا بعضهم هذا القول لجمهور السلف، وهذا ليس بصحيح، فإن السلف فرقوا ما بين الإسلام والإيمان إذا كان هذا في مورد وهذا في مورد، إذا كان الإسلام والإيمان في مورد واحد.

وأما إذا كان الإسلام في مورد والإيمان في مورد، يعني: هذا في سياق وهذا في سياق، هذا في حديث وهذا في حديث، فالإسلام يشمل الدين جميعًا، والإيمان يشمل الدين جميعًا، فإذًا هذا الحديث فيه بيان الإسلام بمراتبه الثلاث.

إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر في هذا مدح لهذه الصفة وإحداهما مكتسبة والأخرى جبلية، أما شدة سواد الشعر، فهذه جبلية لا تكتسب، ولا يجوز أن يصبغ بالسواد لمن ليس بذي سواد، وأما شدة بياض الثياب، فسياق هذا الحديث يقتضي مدح من كان على هذه الصفة، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب الثياب البيض، وكان يلبسها، وأمر بتكفين الموتى فيها -عليه الصلاة والسلام-.

قال: ولا يرى عليه أثر السفر يعني: أنه لا يعرفونه في المدينة، وأتى بهذه الصفة الجميلة شدة سواد الشعر "ليس عليه" يعني: فيه أثر غبار أو تراب، وعادة المسافر أن يكون كذلك، وأيضا شديد بياض الثياب كأنه خرج من بيته في نظافة أهله الساعة، فكيف يكون ذلك؟

فإذًا في قوله: ولا يرى عليه أثر السفر إشعار بأنه مستغرب أن يكون على هذه الصفة؛ لهذا قال بعدها: ولا يعرفه منا أحد وقد جاء في بعض الروايات أن جبريل -عليه السلام- كان ربما أتاهم على صورة دحية الكلبي أحد الصحابة، فيسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجيب، وهذا غير مراد هنا؛ لأنه لا يتوافق مع قوله: ولا يعرفه منا أحد خلافًا لمن قال غير ذلك.

وهذا فيه التعليم، فإن جبريل -عليه السلام- أتى متعلمًا ومعلمًا، متعلمًا من جهة الهيئة والسؤال والأدب، ومعلمًا حيث سأل لأجل أن يستفيد الصحابة -رضوان الله عليهم- وتستفيد الأمة من بعدهم.

قال: فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه أسند ركبتيه إلى ركبتيه الضمير الأول يرجع إلى جبريل، والثاني إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا فيه القرب من العالم، القرب من المسئول حتى يكون أبلغ في أداء السؤال بدون رعونة صوت ولا إيذاء، وأفهم للجواب.

ووضع كفيه على فخذيه هذه قيل: فيها تفسيران: ووضع كفيه يعني: جبريل على فخذيه، يعني: على فخذي النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا ذلك لأجل أن تكون الضمائر راجعة على نحو ما رجعت عليه الجملة الأولى؛ لأن توافق الرجوع أولى من تعارضه بلا قرينة.

وقال آخرون: لا، وضع كفيه على فخذيه هذه على فخذي جبريل أيضًا، يعني: وضع كفي نفسه على فخذي نفسه، وهذا أدب منه أمام مقام النبي -صلى الله عليه وسلم-.

في هذا أن طالب العلم ينبغي له أن يكون مهيئا نفسه، ومهيئا المسئول للإجابة على سؤاله في حسن الجلسة، وفي حسن وضع الجوارح، وفي القرب منه، وهذا نوع من الأدب المهم، فإن سؤال طالب العلم للعالم، أو سؤال المتعلم لطالب العلم له أثر في قبول العالم للسؤال، وفي انفتاحه للجواب.

قد ذكر في آداب طلب العلم، وفي الكلام عليه أن بعض العلماء من علماء السلف كانوا ينشطون لبعض تلاميذهم فيعطونه، وبعضهم لا ينشطون له فيعطونه بعض الكلام الذي يكون عامًّا، أو لا يكون مكتملًا من كل جهاته، وذلك راجع إلى حسن أدب طالب العلم أو المتعلم.

فإنه كلما كان المتعلم أكثر أدبًا في جلسته، وأكثر أدبًا في لفظه، وفي سؤاله كان أوقع في نفس المسئول؛ فيحرص ويتهيأ نفسيًّا لجوابه؛ لأنه مَن احْتَرَم احْتُرِم، ومن أقبل أقبل عليه فهذا فيه أن نتأدب جميعًا بهذا الأدب.

فمثلًا: ألحظ على بعض طلاب العلم، أو بعض المتعلمين أنه إذا أتى يسأل العالم يسأله بِنِدِّية لا يسأله على أنه يستفيد، فيجلس جلسة العالم نفسه، أو يجلس جلسة المستغني، ويداه في وضع ليس في وضع أدب، واحدة هنا، والأخرى هناك، وجسمه أيضًا يعني: في استرخاء تام، ليس فيه الاستجماع ونحو ذلك، مما يدل على أنه غير متأدب مع العالم، أو طالب العلم الذي سيستفيد منه.

وهذه الآداب لها أثر على نفسية العالم أو المجيب، فإنك تريد أن تأخذ منه العلم، وكلما كنت أذل على الوجه الشرعي في أخذ العلم كلما كان العالم أكثر إقبالًا عليك؛ ولهذا تجد أن من... بل أكثر أهل العلم لهم خواص، هذا من خاصته، هذه الخصوصية راجعة إلى إيه؟ راجعة إلى أن هذا المتعلم كان متأدبًا في لفظه، وفي تعامله، وفي كلامه، وفي حركته مع شيخه مما جعل شيخه يثق فيه، ويقبل عليه في العلم، ويعطيه من العلم ما لا يعطيه غيره، ويعطيه من تجاربه في الحياة، وتجاربه مع العلم ومع العلماء، وفي الأمور، وفي الواقع بما لا يفيده غير المتأدب معه.

فهذه نأخذها من حديث جبريل -عليه السلام- هذا، ونأخذها أيضًا، من قصة إلى الخضر مع موسى في سورة الكهف، وهي حرية بالتأمل في آداب طلب العلم.


يتيعـ ,,


 

رد مع اقتباس