إني على يقين أني لن أبلغ ..من تأمل هذا الخُلق .. في هذه السطور ..إلا مقدار مايبلغه واصـــف الشمس ..وهو لايعرف منها إلا أنها كوكبٌ ينسلخ طلوعه سواد الليل ...
ماذا عسى بلـغاء اليوم قائلة ** من بعد ما نطقت حم تنزيل
سبع الغاب ليس مثل السباع .. ما عسى أجمله من ورق العرار إلى العبير والعنبر .. في خير من حملت أنثى ووضعت .. وخير حاف على الدنيا ومنتعل .. إن هي إلا دماجيل للعضد .. وقلائد للجيد .. عجزت فيها عن أداء الواجب .. وأحاول الجبر بالمسنون .. وفضل الله على من يشاء ليس بممنوع ولا ممنون .. وكلن ينفق على قدر استطاعته .. وهو ابن ساعته ..
أقول والله تعالى المستعان ومن بغيره استعان لا يعان ..
تناقلتها الأخبار .. وسارت مسير الشمس في رائعة النهار .. حدث عنها لا حرج .. بمكان لا يجهل .. ومنزلة لا تدفع .. تناقلها الرواة بكل فج .. وأهدتها الحواضر للبوادي .. وحسبه أنه نبي .. وأنه أبو الشجعان وصانعهم .. على عينيه ملك الشجاعة فهي طوع زمامه .. ولغيره جمحت وليست تركب ..
والذي رفع السماء وعلم آدم الأسماء .. ما شهدت الغبراء أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولا أثبت منه قلبا .. كان طودا لا يتزعزع .. شامخا لا يتزلزل .. لا ترهبه الأزمات .. ولا تهزه الحوادث والملمات ..
تروى أحاديث الوغى عن بأسه
فالسيف يسند والعوالي تطلق
وما رآه فارس إلا استــــــــــتر
في فعل النجوم عاين القـــمر
.. .. .. .. .. .. .. .. ..
وحسبه أنه نبي ..... كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس حين خرج على قومه بدعوة ينكرونها جميعا .. وليس له من معين سوى ربه .. فصدع بها في جميع الأماكن والأزمان والأحوال .. فوق الجبل وفي المسجد وفي الطريق والسوق .. في المنازل والمواسم والحواضر والبوادي .. في الحضر والسفر والأمن والقتال والصحة والمرض .. وحين يزور وحين يُزار .. دعا من أحبوه ومن أبغضوه .. ومن استمعوا له ومن أعرضوا عنه .. خطيبه يقارع الخطباء .. وشاعره ينازل الشعراء .. دعاته يجوبون الآفاق .. في إستنفار دعوي لم تملك قريش أمامه إلا أن تقول : لا تسمعوا لهذا القران والغوا فيه لعلكم تغلبون ..!!
بذل كل وسعه .. واستخدم كل أسلوب ووسيلة مشروعة .. في حلم وأناة وهدوء .. قذف بالحق على الباطل .. فأزاح العلل وسد الخلل .. وقال ما يرضي الله وإن أغضب البشر .. فذهب الزبد جفاء وطاعنا حتى لم يجد من مطاعن .. ونازل حتى لم يجد من منازل .. وبقي صلى الله عليه وسلم قدوة .. يصبوا إليها كل من عرف الحق .. وبالحق يدين مثلا ..
فهو الحياء ما حل في بلد إلا بإذن الله أحياه .. وحسبه أنه نبي
كان أشجع الناس .. حين قوطع وحوصر مع بني هاشم في شعب لسنوات بلا ميرة .. حتى اضطروا لأكل ورق الشجر .. وسمع صوت الصبية يتضائون من شد الجوع .. فصبر وما وهن وما ضعف وما استكان .. حتى انتصر وسقطت المقاطعة .. وأحق الله الحق وأبطل الباطل .. وكذلك الحق لا يتغير أصله وسوسه .. وإن تغير لبوسه ..
كان صلى الله عليه وسلم أشجع من الشجاعة .. وأشد في الحق من الشدة ..
ماضي العزيمة والسيوف كليلة ** طلق المحيا والخطوب دواجي
.. .. .. .. .. .. .. .. ..
سعى كفار قريش إلى عمه أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب إن لك فينا سناً ومنزلة وشرفا .. وإنا قد إستنهيناك في ابن أخيك فلم تنه عنا .. وإنا والله لا نصبر على ذلك .. فإما أن تكفه عنا أو ننازلك وإياه حتى يهلك أحد الفريقين ثم انصرفوا .. فعظم عليه فراق قومه ولم يطب نفسا بإسلام ابن أخيه لهم وخذلانه .. فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا ابن أخي أبقي علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر مالا أطيق .. فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خاذله .. فحلق وحدق ببصره إلى السماء .. ووقفت الدنيا مشدودة السمع لما تفتر عنه شفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأصاخ الكون وأنصت التاريخ لكلمة التي يتوقف عليها مصير السعادة البشرية والحضارة الإنسانية .. فقال في تصميم يفل الحديد .. وعزيمة لا تعرف الهزيمة .. وتحد يقهر الخصوم اللد .. وإصرار يقتحم البحر بجزره والمد .. قال . والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري .. على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه .. ثم استعبر وبكى وولى .. كأنما أنفاسه حرجف .. وبين جنبيه لظى واقده .. لو مادت الأجبال من تحته .. أو خرت الأفلاك ما زعزع ..!
يا لقوة الإيمان وجلال البطولة .. رجل يظن أنه تخلى عنه ناصره الوحيد من أهله .. ثم يقف هذا الموقف العظيم .. إنه ثبات النبوة ..
إن يكن أعزل فالحق له سيف ولامه
فهو في جيش من الإيمان ما فل لهامه
.. .. .. .. .. .. .. .. ..
وقف أبو طالب مأخوذا بما سمع ورأى .. وهو في قرارة نفسه يقول : والله ما هذا إلا نبي كريم .. بلغ أسمى درجات الثقة بالله رب العالمين .. فلن ينكس على عقبيه لأنه يأوي إلى ركن شديد .. فما عليه وبين جنبيه دين .. لو أراد به صم الجبال لما قرت رواسيها .. ثم يناديه أقبل يا ابن أخي فأقبل صلى الله عليه وسلم فقال له : إذهب فقل ما أحببت والله لا أسلمك لشيء أبدا .. والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا.. حاله :
قم وأبلغ نوره للعلميـــــــــــــن
قم واسمعه البرايا أجمعــــين
إن تكون في مثل نيران الخليل
أسمع النمرود توحيد الجلــــيل