2 - المزيفون ( خاص بالمسابقة )
قديما قالوا : لو علمتم الغيب لأخترتم الواقع ..
ولأنهم لم يعلموا الغيب ؛ ولم يرضوا عن الواقع ؛ كانت أحداث قصتنا هذه ....
ولنبدأ من مجلس ابطالها المعتاد ؛ فوق الرصيف أمام مقهى " قرنفله " على الكورنيش..
كانوا بترتيب الجلوس : محمود أفندى كاتب الأرشيف ؛ وبهجت أفندى بقلم الحسابات ؛ وعلى
افندى ؛ والملقب بالباشا نظراً لما يبدو على ملامحه من عراقة أصل ورفعة شأن ؛ ثم عم
سيد ؛ وهو لم يكن ( عماً ) لكبر السن ؛ بل لأنه ساعى المصلحه ؛ فاكتسب ( العمومه )
عرفاً ...
أجتمع أربعتهم بالمقهى كعادتهم كل ليله ؛ يتسامرون ساعه أو بعض الساعه ؛ ويدخنون
الشيشة مع أكواب الشاى الكشرى ؛ ويتناولون أحداث يومهم فى الديوان ؛ حيث يعملون سويا .
وكما يقولون ؛ لكل مقام مقال ؛ فقد كان مقالهم الليله عن الرواتب المتوقع قبضها فى الصباح
إذ كان اجتماعهم هذا فى آخر ايام الشهر ؛ الذى يتميز غالبا بأنه ؛ وربما خمسه أيام
أخرى تسبقه بلقب " الأيام العجاف " ...حيث ينفذ الراتب أو يكاد ؛ وتتأجل مطالب ورغبات ؛
وينصب التفكير على ماهو آت ؛ وأى آت أسعد من يوم استلام الراتب الجديد ؟!
أخذ الباشا يعبث بأوراق الكوتشينه بين يديه ؛ بنظره تأمليه ؛ غاب فيها قليلاً عن أحاديث
رفاقه ؛ ثم التفت اليهم بغته ؛ وقال ضاحكاً :
ــــ يجرى إيه ياأولاد ؛ لو تحولت هذه الأوراق الى جنيهات ؟!
ابتسم الباقون فى سخريه ؛ وهموا بالتعقيب اللاذع الذى يناسب السؤال ؛ لولا رؤيتهم
الجديه والإهتمام على وجه بهجت افندى ؛ الذى لم يشاركهم الإبتسام ؛ بل نظر الى الأوراق
فى يد الباشا ؛ وقد لمعت عيناه ؛ وكأنما الهمته الكلمات فكره جديده ..
ــــ طيب واللى يحقق لكم الحلم دا ؛ تدوه كام ؟!
قالها بهجت افندى متفرسا فى وجوه الحضور ؛ ليجد علامات الدهشه والتعجب وقد ارتسمت
عليها ؛ والأنظار وقد حملقت فيه ؛ فهم يعلمون عنه ذكاءً يتفوق على ذكائهم مجتمعين ؛ وقدرات
خاصه ؛ يلجأون اليها لحل معضلاتهم ..
ـــــ إزاى يابهجت افندى ؟!
قالها عم سيد بعفويه كاسرا الدهشه الصامته التى علت الوجوه ..
ــــ مش لما أعرف نصيبى إيه فى الأول ؟!
ــــ هاهاها ؛ سأعطيك نصفها ..
ــــ لا بل ثلاثة ارباعها ؛ بس قول ..
كانت هذه كلمات محمود افندى الذى أبى إلا الخروج من صمته ..
خفض بهجت من صوته وهو يشير اليهم : قربوا ..
فحمل كل منهم كرسيه واقترب من رفيقه ؛ حتى كونوا دائره ضيقه ؛ تقاربت فيها الرؤوس
وتواصلت الأبصار مع الأسماع ؛ ملقيه بانتباهها الى ذلك العبقرى الذى سيفتح لهم كنز على بابا ..
قال بهجت بلهجة جديه :
ـــــ إحنا بس محتاجين شوية أجهزه كدا ؛ وأنا أغرقكم فلوس ...
ــــ أجهزه ؟! زى إيه ؟
ـــــ قولوا لى : مين فيكم عنده كمبيوتر ؟
فقال محمود افندى بدهشه :
ــــ عندى واحد فى البيت جايبه للأولاد يلعبوا عليه ..
ــــ جميل جداً ؛ يبقى ناقصنا طابعه ؛ واسكانر ؛ ودول يعملوا لهم فى حدود الف جنيه ؛ عشان
نجييب حاجة نضيفه تطلع شغل مظبوط .. إيه رأيكم ؟
ــــ فى إيه ؟ انت بتكلمنا بالألغاز ؟
ــــ ألغاز إيه ياباشا ؟ دا انت أبو المفهوميه كلها ...حنزيف عُمله ..
امتقعت وجوه الرفاق لدى سماعهم كلمة ( نزيف) وقفز الى اذهانهم ماسبق لهم قراءته مرارا
بالجرائد عن اكتشاف جرائم تزييف ؛ قبض على مرتكبيها ؛ ر غم براعتهم وحيطتهم ..
وكان أول المتكلمين عم سيد ؛ الذى نظر لبهجت نظره عاتبه قائلاً :
يتبع
|