بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنها القضية التي ينبغي أن لا نمل طرحها ولا نسأم تكرارها حتى تتجذر في القلوب وتتشبع بها النفوس، وتصبح حية في مدارك الناس حاضرة في واقعهم.
إنها قضية العمل للدين وأنها قضية كل مسلم حتى يصبح العمل للدين قضية ساخنة في حياة المسلمين، تواجهك في كل لفتة وفي كل فلته.
إنها قضية استنفار الطاقات المعطلة لتقدم لدينها يوم نفرت كل أمة إلى رسالتها وعقيدتها.
إنها قضية إحياء الإيجابية في نفوس المسلمين بعد أن عشعشت السلبية على مواقع كثير من المسلمين، فحملوا دينهم بضعف والله يأمرنا أن نحمله ونأخذه بقوة.
إنها قضية تحريك الدماء في هذا الجسد الضخم من الملايين المملينة من المسلمين الجغرافيين الذين خبا لهيب الإيمان في حياتهم، فإذا هم كما وصفهم نبيهم (صلى الله عليه وسلم) غثاء كغثاء السيل.
إنها قضية جرد الحسابات لجهود شباب الصحوة الذين أشرقت بهم سماء الأمة بعد أن تكدرت سمائها بالقترة، فإذا بهم يتدفقون دفعات زاخة إلى مجالس الدعاة وحلَق العلم.
ثم نبحث عن جهودهم فإذا جهودهم لا يتناسب مع عددهم.
وعطائهم لا يتناسب مع هذا الجموع وقوة زخمها.
إنها قضية رفع مستوى العامة للإحساس بأن الأمة في أزمة وهي أزمة ضعف الإيمان.
نقف أيها الأحباب مع قضية العمل للدين وأتناولها في محاور خمس:
أولا/ العمل للدين قرين الانتماء إليه.
ثانيا/ العمل للدين وظيفة العمر.
ثالثا/ العمل للدين ليس وقفا على فئة، وليس مسؤولية طائفة، بل هو مسؤولية ملقاة على كاهل كل مسلم.
رابعا/ العمل للدين موزع في أدوار بين المسلمين، وليس مسلم يعجز أن يجد له دورا.
خامسا/ أمثلة من الواقع ونماذج من العمل.
ثم أعود إلى هذه المحاور بشيء من التمثيل والتدليل.
أولا/ العمل للدين قرين الانتماء إليه.
هذه قضية كانت واضحة محسومة في عقيدة الجيل الأول، في عقيدة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم تلقوا هذا الدين غضا طريا من في محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.
يوم كان أحدهم يبسط يده إلى اليد المباركة ليبايع محمدا (صلى الله عليه وسلم) على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لا يبيعه على غيرها، ثم يستشعر أن هذه البيعة قد ألبسته لباس الجندية ليعمل لهذا الدين.
وخذ هذا من خلال نماذج أعرضها عرضا سريعا:
قصة الطفيل بن عمر الدوسي رضي الله عنه حين جاء إلى مكة في أوليات الدين.
يوم كانت قريش تضرب حول هذه الدعوة سياجا شائكا من الحرب الإعلامية، والحرب الإعلامية تكتيك يمارس ضد الدعوة إلى دين الله ورسالات الله من القديم وإلى اليوم.
ونحن اليوم نرى نماذج للحرب الإعلامية القذرة الدنسة في الصحافة ضد الدعوة التي تدعو إلى تحكيم شريعة الله، فهي ترجم بالأصولية.
ترجم بالدعوة إلى قلب نظام الحكم في بلاد قلب فيها نظام الحكم فيها مرارا.
ترجم بالانتهازية، ترجم بأوصاف قذرة دنسة وأنواع من التهم المعلبة المستوردة.
هذا النوع من المواجهة كانت تسلكه قريشا قبلا، فليس غريبا على الداعين إلى الله.
كانت قريش تتلقى كل وافد إلى مكة، فتقول له:
( إنا نحذرك غلاما بني عبد المطلب، إنه يقول كلاما يسحر به من يسمعه، فيفرق به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه، أحذر ومن أنذر فقد أعذر).
تلقت هذه الدعاية الطفيل بن عمر فما زال به الجهاز الإعلامي القرشي الكافر حتى عمد القطن فوضعه في أذنيه، ودخل الحرم.
ويشاء الله أن ينفذ كلمات رسوله على رغم أنف قريش وعلى رغم القطن الموضوع في أذني الطفيل. فيسمعُ قراءةَ الرسولِ(صلى الله عليه وسلم) وهو يترسلُ بكلام الله الذي فلق سبع سماواتٍ حتى تعطرت به أنحاءُ مكة، فسمع كلاما لم يسمع مثله قبل.
فأقبل على نفسه يراجعها ويقول عجبا إنني رجل عاقل لبيب فكيف أعير عقلي غيري؟
آلا أتيت إلى هذا الرجل فسمعت منه فإن كان خيرا كنت أحق به، وإلا فإني أعرف كلام العرب شعرها ونثرها وكهانتها وسحرها، فنزع القطن من أذنيه ثم جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال:
إني قد سمعتُ قولَ قومَك فيك، وإني أحبُ أن أسمع منك، فاعرض عليَ ما عندَك، فعرض عليه الرسولُ (صلى الله عليه وسلم) الإسلام وعلَمهُ القرآن، فأمن مكانه.
بإمكانِك أيها الأخُ المبارك أن تتسأل كم شُرع من شرائع الإسلام حين إذٍ، إنه التوحيدُ وشرائعُِ قليلةَ.
أسلم الطفيلُ مكانه ثم شعر بهذه المسؤولية للتو، فقال:
يا رسولَ الله إن دوساً كفرت بالله وانتشر فيهم الزنى فأرسلني إليهم.
سبحان الله إن الرجلَ لم يتلقى الإسلام إلا الآن، ولكنَه شعرَ للتو أن هذه البيعةَ على الدخولِ في الدين تستوجبُ العمل له، فإذا به يتحولُ في مكانه داعيةٍ ونذيرٍ إلى قومه.
أرسلني إليهم إنهم قد كفروا بالله وفشا فيهم الزنى.
فأرسلَه الرسول (صلى الله عليه وسلم) إليهم، ودعا الله أن يجعل له آية فلم انصب إليهم خرجت الآية وإذا هي نور في وجهه، فإذا وجهه يضيء كأن في وجهه سراج، فقال يا رب يراها قومي فيقولون مُثلة، اللهم أجعلها في سوطي، فانتقلت إلى سوطه فكان يحرك سوطه وفي طرفه مثل القنديل.
وعرض الطفيل الإسلام على قومه فأسلم بعض قرابته واستعصت عليه عشيرته.
فماذا فعل ؟
هل شعر بأن هذا أمر طبيعي لا يستثير وجدانه ولا يحرك وجدانه؟
كلا، فقد ثارت في نفسه الغيرة على الدين فعاد إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يشكو إليه الحال ويقول له بحرقة:
يا رسول الله إن دوسا قد كفرت بالله فأدعو الله عليهم.
فرفع النبي (صلى الله عليه وسلم) يديه الطاهرتين المباركتين التي ما دعت بإثم ولا قطيعة رحم وقال:
اللهم اهدي دوساً، اللهم اهدي دوساً، اللهم اهدي دوساً.
والشاهدُ آيها المبارك من هذه القصةُ استشعارُ الطفيلِ رضي اللهُ عنه بمجردِ أن دخلَ في الدين مسئولية الدعوة إليه.
فمنذ كم دخلنا في هذا الدين وما مدى استشعارنا لهذا الأمر؟
سؤال ندع الإجابة عليه إلى أعمالنا وهواجس قلوبنا.