03-04-2003, 10:33 AM
|
#11
|
عضـو مُـبـدع
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 3387
|
تاريخ التسجيل : 01 2003
|
أخر زيارة : 15-06-2003 (12:02 AM)
|
المشاركات :
854 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
منهج السلف في تقويم أخطاء الحكام
من أوائل الأمور التي وقع الخلاف فيها بين المسلمين أسلوب تغيير المنكر ، فبالرغم من أن هناك اتفاقا عاما ، أو إجماعا بين المسلمين جميعا على أن المنكر يجب تغييره بوسيلة من الوسائل الثلاث ، اليد ، واللسان ، والقلب ، فإن المسلمين اختلفوا قديما فى الأسلوب الذي يجب أن يصحب تغيير المنكر بواسطته ، وكذلك اختلفوا أيضا فى المواضع التي يجوز استعمال اليد ، أى : القوة فيها ، ومتى يجوز استخدام اللسان ؟ وما الأوقات التي يُعذَرُ المسلم فيها إن أنكر بقلبه فقط ؟. وبالرغم من أن المسلمين - أيضا - متفقون على وجوب اتباع الحكمة في كل ذلك إلا أن تفسير الحكمة يختلف من طائفة إلى أخرى ، ومن فرد إلى فرد . ويظهر هذا الاختلاف واضحا جليا في إنكار مُنكَرِ الإمام المُعلِنِ للإسلامِ ، فبينما رأى الخوارج والمعتزلة وجوب إنكار منكرِ الإمامِ بكل صورة من صور الإنكار: اليد ، واللسان ، والقلب ، نجد أن أهل السنة ، وعلماء السلف قديما، وحديثا ، قالوا بتحريم إنكار منكرِ الإمامِ المُعلِنِ للإسلام باليد ، وأنه لا يجوز انكار منكرِه إلا باللسانِ ، والقلبِ فقط .
وقد رد علماء السنة ، والسلف على ما قاله الخوارج والمعتزلة فى ذلك بقولهم: إِن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، استثنى الإمام من تغيير منكره بالقوة ، بل لم يُجِز أصلا إنكارَ منكرِه إلا باللسان فقط" (132) وقد جاء هذا فى أحاديث كثيرة منها حديث الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كَرِهَ من أميره شيئا فليصبر ، فإنه مَن خرج من السلطان شِبرا مات ميتة جاهلية"(133). قال ابن بطال:(134) "فى الحديث حجة فى ترك الخروج على السلطان ولو جار ، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان ، والجهاد معه ، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما فى ذلك مِن حَقنٍ للدماء ، وَتَسكِينِ الدَّهمَاء" . وعن أبى هريرة -رضي الله عنه - قال : سمعتُ الصَّادِق المصدوق يقول : "هَلَكَةُ أمتي على يدي غلمة من قريش" فقال مروان : لعنة الله عليهم غلمة ، فقال أبو هريرة : لو شئتُ أن أقولَ بني فلان : بني فلان لفعلتُ" (135).
قال ابن بطال(136): "وفى الحديث أيضا حجة لِما تَقَدَّمَ مِن تَرك القيام على السلطان ولو جار ، لأنه صلى الله عليه وسلم ، أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء، وأسماء آبائهم ، ولم يأمرهم بالخروج عليهم مع إخباره بأن هلاك الأمة على أيديهم لكون الخروج أشد فى الهلاك ، وأقرب فى الاستئصال من طاعتهم ، فاختار أَخَفَّ المَفسَدَتَينِ ، وأيسر الأمرين" وهذه قاعدة فقهية هامة .
ومما استدل به السلف - أيضا -على عدم جواز إنكار منكر الإمام باليد، أو بالسيف ما رواه الإمام البخاري فى صحيحه عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه - قال: قال لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : "إنكم سَتَرَونَ بعدي أَثَـرَةً وأمورا تُنكِرونها"، قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : "أَدُّوا إليهم حقهم ، وسَلُوا الله حقكم" (137) قال الحافظ فى الفتح ، "أى : أدوا إليهم حقهم الذي وجب لهم المطالبة به ، وقبضه سواء كان يختص بهم ، أو يعم .. ، وسلوا الله حقكم أي: بأن يلهمهم إنصافكم،أو يبدلكم خيرا منهم(138) وكذلك حديث أم سلمة فى مسلم عن النبي-صلى الله عليه وسلم - قال : " إنه يُستَعمَلُ عليكم أمراء ، فَتعرفون ، وَتُنكِرُون ، فَمَن كره فقد بَرِئَ ، ومن أَنكَرَ فقد سَلِمَ ، ولكن مَن رضي ، وتاَبَع "قالوا : يا رسول الله أفلا نقاتلهم ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : "لا ، ما صَلُّوا" وهذا نص فى أن الإنكار على الإمام الذى يخلط في عمله ، وحُكمِهِ بين الحلال والحرام ، لا يجوز الخروج عليه بالسيف ، بل إذا كره بقلبه فقد برئ ، وإذا أنكر بلسانه فقد سَلِمَ ، ولكن مَن رضي ، وتابَعَ ، كان مُشاركا فى الإثم ، والمعصية ، وقد استفسر المسلمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى جواز الخروج عليهم بالسيف ، حينئذ، فأَبَى، وقال : "لا ، ما صلوا" . أي : ما [داموا] ملتزمين بالصلاة ، ويؤيد حديث أم سلمة هذا حديث عوف بن مالك في مسلم - أيضا - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال : "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ، ويحبونكم ، ويُصَلّون عليكم ، وتُصَلُّونَ عليهم ، وشِرار أئمتكم الذين تُبغضونهم ، ويُبغضونكم ، وتَلعنونهم ، ويَلعنونكم"، قيل : يا رسول الله : أفلا ننابذهم بالسيوف ؟ فقال : "لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، وإذا رأيتم من وُلاتكم شيئا تكرهونه ، فاكرهوا عَمَلَهُ ، ولا تنزعوا يدًا من طاعة" (139) . وهذا نص ظاهر واضح في أن الإمامَ وإن استحق اللعن من المسلمين، وكان بغيضا إليهم ، مبغضا لهم ، لا يجوز الخروج عليه بالسيف ما دام أنه من جملة المصلين ، وقال أهل السنة والجماعة أيضا ، والسلف قاطبة: إنه لا يجوز الخروج على الإمام الذي ما زال يُصَلِّي إلا أن يَكفُرَ كفرا بَوَاحًا ، والبَوَاحُ هو العَلانِية الشائع أي أن يُعلِنَ ذلك ، ولا يكون مُسِرَّا به لأهل خاصته مثلا . واستندوا فى ذلك - أيضا - إلى حديث جنادة بن أبي أمية ، قال: دخلنا على عُبادة بن الصامت ، وهو مريض، فقلنا : حدثنا أصلحك الله - بحديث ينفع الله به ، سَمِعتَهُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبايعناه على السمع والطاعة في مَنشَطِنا ، وَمَكرهِنا ، وعُسرِنا ، وَيُسرِنَا ، وَأَثَرَةٍ علينا ، وأن لا نُنَازِعَ الأمرَ أهلَه ، قال : "إلاَّ أَن تَرَوا كُفرًا بَوَاحًا عندَكم من اللهِ فيهِ برهان" (140)وهذا نص ظاهر فى عدم جواز منازعة الإمام الأمر إلا أن يعلن الكفر علانية "(141)ومعنى قوله بواحًا ، يريد ظاهرا باديا ، وقوله : "عندكم من الله فيه برهان"، أى نص آية ، أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل ، ومقتضاه : لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل ، قال أبو جعفر الطحاوى : "ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد- صلى الله عليه وسلم - إلا مَن وجب عليه السيف" وقال رحمه الله : "ولا نرى الخروج على أئمتنا ، وولاة أمورنا ، وإن جاروا، ولاندعو عليهم ، ولا ننزع يدا من طاعتهم ، ونرى أن طاعتهم مـن طاعة الله - عز وجل - فريضة ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح ، والمعافاة"(142) قال الإمام النووى - رحمه الله : "أجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ، وسبب عدم انعزاله ، وتحريم الخروج عليه ، ما يترتب على ذلك من الفتن ، وإراقة الدماء، وفساد ذات البَينِ ؛ فتكون المفسدة فى عزله أكثر منها فى بقائه"(143).
وأما استدلال الخوارج والمعتزلة بقول عمر - رضي الله عنه - : "وإذا أسأتُ فقوموني" فقال له رجل : "لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا" في وجوب الخروج على الإمام المسلم بالسيف إذا انحرف أو ظلم في نظرهم عما يعتقدونه ، ففيه نظر ، وذلك لأن عمر -رضي الله عنه - قال : قوموني ، ولم يقل قوموني بالسيف، كما أنَّ قولَ الرجل فى رَدِّه على عمر - - تَطَاوُلٌ منه على أمير المؤمنين، ولم يَشَأ عمر-رضي الله عنه - أن يَرُدَّ عليه ، وهو فى مقام الإمام ، وفى خطبته الأُولى حتى لا يُتَّهَمَ بالدفاع عن نفسه ، وإلا فهذا الأمر أشبه بين السلف مما هو معلوم من الدين بالضرورة"(144). .
سيف الله المسلول
|
|
التعديل الأخير تم بواسطة سيف الله ; 03-04-2003 الساعة 10:35 AM
|