الإسلام دين الرفق والرحمة لا دين العنف والنقمة
الإسلام دين الرفق والرحمة لا دين العنف والنقمة
منهج الدعوة يقوم على الرفق إن منهج الدعوة الإسلامية: يقوم على الرفق واللين، والرقة والرحمة، ولا يقوم على العنف والشدة، والغلظة والنقمة. ولقد رسم القرآن منهج الدعوة، بقوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (سورة النحل، الآية: 125) والدعوة بالحكمة تعني: الخطاب الذي يقنع العقول بالحجة والبرهان. والموعظة الحسنة تعني: الخطاب الذي يستميل العواطف، ويؤثر في القلوب رغباً ورهباً. والجدال بالتي هي أحسن، يعني: الحوار مع المخالفين بأحسن الطرق، وأرق الأساليب التي تقربهم ولا تبعدهم. وقد رأينا القرآن الكريم وهو يعرض لنا قصص الرسل عليهم السلام وكيف خاطبوا أقوامهم بالحسنى، كما في سورة الشعراء: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ "105" إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ "106" إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ "107" فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ "108" وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ } (سورة الشعراء، الآيات: 105 ـ 109) وفي سورة نوح يقول لهم: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ "2" أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ "3" يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } (سورة نوح 2 ـ 4) فانظر كيف بدأ خطابهم بقوله: (يا قوم) يذكرهم: أنه واحد منهم، وليس غريباً عنهم. وانظر خطاب إبراهيم لقومه وكيف تدرج معهم حين رأى في الليل كوكبا، قال هذا ربي، فلما أفل قال: لا أحب الأفلين، ثم القمر، ثم الشمس، حتى قال: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ "76" فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ "77" فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ "78" إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (سورة الأنعام 76 ـ 79) وانظر خطابه لأبيه وترفقه به: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا "42" يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا "43" يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا "44" يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا } (سورة مريم 42 ـ 45) إلى أن رد أبوه بقوله: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا "46" قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } (سورة مريم 46، 47) وانظر إلى موسى وأخيه هارون حين بعثهما الله إلى فرعون، وأوصاهما بتليين القول له: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى "43" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } (سورة طه 43، 44) ولذا وجدنا موسى عليه السلام حين ذهب إلى فرعون، قال له: {فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى "18" وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} (سورة النازعات 18، 19) بهذه الصيغة المأنوسة الرقيقة. ودخل رجل على المأمون يعظه، فقال له: اتق الله أيها الظالم الفاجر، فقال له المأمون وكان على علم وفقه: يا هذا!! إن الله بعث من هو خير منك، إلى من هو شر مني، وأمره بالرفق. بعث موسى وهارون وهما خير منك، إلى فرعون، وهو شر مني، وقال: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى "43" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } (سورة طه 43، 44)الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو إلى الرفق وينكر العنف: ومن قرأ سنة الرسول الكريم القولية ممثلة في أحاديثه عليه الصلاة والسلام أو قرأ سنته العملية ممثلة في سيرته صلى الله عليه وسلم يجد أسلوب الرفق واللين واللطف في الدعوة والمعاملة شديدة الوضوح والعمق في أخلاقه عليه الصلاة والسلام. وحسبنا أن ننقل من كتاب مثل (الترغيب والترهيب) للحافظ المنذري فيما أورده من أحاديث صحاح وحسان، في الترغيب في الرفق والحلم. وأولها: حديث عائشة: "إن الله رفيق، يحب الرفق في الأمر كله". وينبغي لنا أن نذكر هنا سبب ورود هذا الحديث، كما رأته وروته أم المؤمنين عائشة، فهي شاهد عيان، وكما رواه البخاري في صحيحه، قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا (أي للنبي): السام عليك. فقلت: بل عليكم السام واللعنة، فقال: يا عائشة: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله. قلت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: قلت: وعليكم" فهؤلاء اليهود من سوء أدبهم وسوء طويتهم لووا ألسنتهم، وحرفوا الكلم، فبدل أن يقولوا: السلام عليك، قالوا: السام ـ أي الموت والهلاك ـ ولكن الرسول الكريم من حسن أدبه، وعظمة خلقه، لم يرد أن يجعل من ذلك معركة، بل رد بهذه الكلمة النبيلة قائلاً: "وعليكم". أي أن الموت مكتوب على كل البشر، علينا وعليكم. ثم علم عائشة هذا الأدب الرفيع أدب الرفق في التعامل، حين قال لها: "يا عائشة! إن الله رفيق، يحب الرفق في الأمر كله" ونسوق بقية الأحاديث ـ التي انتقيناها هنا ـ من كتابنا (المنتقي من الترغيب والترهيب): منها: ما رواه مسلم عن عائشة: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه". رواه مسلم عن عائشة برقم 2593 وعنها أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم برقم 2594 وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق، وإذا أحب الله عبداً أعطاه الرفق، ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا الخير" رواه مسلم برقم 2592 والطبراني ورواته ثقات،ِ
|