حتى الاستجابة للعلاج الطبي تتأثر بأفكارنا واتجاهاتنا

حتى الاستجابة للعلاج الطبي تتأثر بأفكارنا واتجاهاتنا

أثبت علماء النفس الفيزيولوجي الروس منذ فترة مبكرة أن
الوظائف الفيزيولوجية تتأثر إيجابا أو سلبا يقوله الفرد لنفسه وأن
الكلمات وحدها قد تثير استجابات انفعالية حادة


فعلى سبيل المثال
أن الاستجابات الفيزيولوجية لدى مجموعة من الأشخاص عند استماعهم
لكلمات مرتبطة بالألم (مثل كلمة ألم او أنين أو أذى) لا تختلف عن
الاستجابات المصاحبة للمواقف الفعلية التي تعبر عنها هذه الكلمات.
والشخص الواحد يمكن أن يستثير نفسه انفعاليا في اتجاهات مختلفة
كالاكتئاب أو السرور أو القلق في اللحظة الواحدة على حسب ما يقوله لنفسه أثناء استعادته لفكرة ما أو عند أدائه لعمل ما او مواجهته لموقفى معين أو عند تفاعله مع أشخاص معينين فلقد أمكن لأحد اﻟﻤﺠربين أن ينجح في التأثير في الحالات المزاجية للشخص بتغيير محتوى العبارات التي طلب من الفرد أن يرددها أثناء اندماجه في نشاط معين



فعندما تكون العبارات ذات محتوى سار أو منشط مثل: (إنني سعيد
وفخور بنفسي) تظهر آثار انفعالية تختلف عما لو كانت العبارة ذات محتوى اكتئابي أو حزين (إن حياتي مليئة بما يكفيها ويكفي عشرة أشخاص آخرين من متاعب). ومن الطريف أنه تبين أن الاستثارة في الجهاز العصبي تزداد وترتفع عندما يطلب من الشخص أن يفكر في موضوعات ذات طابع مثير جنسيا بينما ينخفض النشاط وتقل الاستثارة عندما يطلب من الشخص أن يتخيل أنواعا هادئة من النشاط والتخيلات. وقد ثبت في دراسة تجريبية
Bandura,1969) أنه يمكن استثارة الخوف بتخيل مواقف كريهة او ضارة في موقف معين كذلك فإن الدراسات الحديثة لعلماء النفس تبين أن تأثير كل أساليب العلاج تقريبا بما فيها استخدام العقاقير والأساليب
الفيزيولوجية تعتمد اعتمادا حاسما في تحقيق نجاحها على الاعتقادات الشخصية في نجاح العلاج وعلى عوامل مثل: توقع مكاسب علاجية


والمعلومات التي يحصلها المريض عن مواقف الخوف والقلق والاكتئاب
والتدريب على ضبط الانتباه واتجاه الشخص نحو المعالج ونحو العلاج
النفسي بشكل عام. وهي كلها فيما يلاحظ القار ئ عوامل تنتمي إلى أسلوب تفكير المريض واتجاهاته العقلية. وحتى الأشكال العلاجية العضوية
بما فيها تعاطي العقاقير الطبية تكتسب فاعليتها من خلال الاعتقادات
الشخصية في نجاحها أو فشلها. في إحدى الدراسات أعطيت مجموعتا من المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم نفس العقار الطبي بفرق واحد هو أن اﻟﻤﺠموعة الأولى قيل لها إن تأثير الدواء في تخفيض الضغط سيكون فوريا وعاجلا أما اﻟﻤﺠموعة الثانية فقد قيل لها إن تأثير الدواء سيكون بطيئا وسيأخذ بعض الوقت حتى تظهر نتائجه. وقد تبين بعد قياس ضغط الدم لدى اﻟﻤﺠموعت إثر تقديم العقار أن اﻟﻤﺠموعة الأولى التي قيل لها إن التأثير سيكون سريعا قد انخفض الضغط لدى أفرادها بما يزيد عن 70 % بالمقارنة بأفراد اﻟﻤﺠموعة الأخرى ( Agras, Horne, & Taylor,1982 ). كذلك


لاحظ الممارسون أن نفس العقار الطبي قد يعطى لشخصين يتشابهان في تشخيصهما ولكنه لا يؤدي إلى نفس التأثير: أي أنه ينجح مع واحد ويفشل مع الآخر بسبب التوقعات والاعتقادات التي يتبناها كل منهما عن تأثير هذا العقار إيجابا أو سلبا. فالمريض الذي يؤمن بأن العقار الذي يتعاطاه فعال ويثق في المعالج فإن العقار الذي يتعاطاه سيكون فعالا والعكس بالعكس. في سلسلة من الدراسات التيجر في الولايات المتحدة لمقارنة الأدوية الطبية التي تعطى في مختلف حالات الاضطرابات الصحية النفسية والجسمية. بأدوية كاذبة placebos
(أقراص من السكر أو النشا تعطى للمريض على أنها عقاقير طبية) تبين أن وجود العديد من النتائج الإيجابية العلاجية يمكن أن يؤدي إليها استخدام الأدوية الكاذبة إذا ما أعطيت للمريض على أنها قوية وفعالة وأنه أمكن تجربتها على كثير من ا لمرضى الآخرين في السابق.


وقد امتدت التأثيرات العلاجية الإيجابية لهذه العقاقير الإيهامية لتغطي جوانب من التحسن في كثير من الاضطرابات بما فيها النفسيةوالعضوية مثل القلق والاكتئاب والصداع والربو وآلام الأسنان وآلام
الصدر وفي دراسة أجريت في أمريكا تبين g أن الأدوية الكاذبة يمكن أحيانا أن تكون أكثر فاعلية من العقاقير الطبية الفعلية. في إحدى التجارب عانت إحدى المريضات من نوبة حادة من الغثيان والقيء ولم تستجب لأي أدوية أعطاها لها أطباؤها المعالجون فقد استمرت التقلصات وأظهرت الأجهزة الطبية أن معدتها استمرت بالفعل في التقلص والاضطراب الذي اتفق مع شكواها بالألم والتقلص والغثيان. ومن ثم قدم لها أحد الأطباء دواء آخر موضحا لها أنه علاج جديد وأكيد ومضمون النتيجة. وفي خلال عشرين دقيقة من تعاطيها للدواء الجديد اختفت آلامها وعادت معدتها لاسترخائها ا لمعتاد. أما الدواء الجديد والفعال الذي أعطي لها فقد كان عبارة عن دواء معد لتيسيرالقيء أي لعلاج عكس ما كانت تشكو منه هذه المرأة. يعلق وولف صاحب هذه الدراسة على هذه الحالة قائلا إن التوقع.. أي توقع هذه المرأة أن هذا الدواء سيكون فعالا وسيساعدها على التخلص من نوبات القيء كان قويا لدرجة أنه أثر فيها في الاتجاه الذي يتلاءم مع هذا التوقع بالرغم من أنه عكس ما أعد له هذا الدواء كيميائيا Wolf,1990


وفي دراسة مماثلة نشرتها مجلة لنسيت Lancet المعروفة برصانتها
العلمية وشهرتها الواسعة في الأوساط الطبية تبين أن العقاقير الكاذبة الإيهامية (البلاسيبو) إذا أعطيت للمرضى الذين تجرى عليهم عملية خلع ضروس العقل يفوق تأثيرها من حيث تحمل الألم ما يعادل ثمانية ملليجرامات من المورفين (وهي جرعة كبرى بكل المقاييس) بفضل التوقع والتفكير الإيجابي في أهمية العلاج وفاعليته.


والسؤال الآن: إذا كان تعديل المسالك الذهنية كالتوقع والأمل بهذه
القوة في علاج الحالات العضوية Nفإلى أي مدى هو فعال وضروري لنجاح العملية العلاجية ولتغيير الحالة النفسية للفرد وهل يؤثر تأثيرا مباشرا في إثارة الاضطراب وفي تحقيق الشفاء وما هي جوانب التفكير وأنواع التوقعات التي تصاحب الأمراض النفسية بما فيها الاكتئاب وتلك التي تصاحب الصحة النفسية والعلاج؟



الواقع أن بعض المناهج العلاجية الحديثة للاكتئاب بما فيها النظريات
العقلانية والمعرفية عندألبرت إليس Ellis,1969 وبيك (Beck,1979)
تستمد الكثير من أسسها النظرية من هذا المنطلق أي أن: الاضطرابات النفسية أو العقلية لا يمكن عزلها عن الطريقة التي يفكر بها المريض عن نفسه وعن العالم أو اتجاهاته نحو نفسه ونحو الآخرين. وأن العلاج النفسي بالتالي يجب أن يركز مباشرة على تغيير هذه العمليات الذهنية قبل أن نتوقع أي تغيير حاسم في شخصية ا لمريض او في الأعراض التي دفعته لطلب العلاج

المصدر: نفساني

موضوع جميل ومثير , ولكن يا استاذه ليلى ألا ترين أن البلاسيبو والعلاج الكاذب مثلا تجعل عقولنا تنعمي وتصاب بالحيرة في التمييز بين ماهو حقيقي فعلا وماهو كاذب أو وهمي..!!
سأطرح بعض الأسئلة التي خطرت في بالي بعد قراءة المقاله وهي :
س1 :كيف نعتقد أن الرقية علاج حقيقي مادام أن البلاسيبو يؤدي فعالية مشابهة للرقية وماهو المعيار الذي نستطيع من خلاله التفريق بين ماهو ذا تأثير حقيقي أو ذا تأثير وهمي خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالرقية وبتأثير آيات القرآن؟
س2 : هل الاعتقاد الجازم في آيات القرآن بأنها شفاء يدخل في البلاسيبو حيث دائما نسمع مايردده بعض الرقاة بأن على المريض الاعتقاد الجازم في آيات القرآن بأنها شفاء حتى يشفى من مرضه وإلا فبدون اعتقاد جازم لا تنفع معه الايات , إذا مالذي يميز آيات القرآن عن البلاسيبو إذا كان العامل الرئيسي والحاسم في الموضوع هو البلاسيبو وقوة الاعتقاد ؟
وأشكرك على إتاحه الفرصة للنقاش والحوار