|
|
||||||||||
ملتقى المقالات النفسية والأبحاث المقالات وخلاصة الكتب النفسية والإجتماعية |
|
أدوات الموضوع |
14-01-2011, 03:14 PM | #1 | |||
عضو نشط
|
خطرات الانسان وافكاره
من كتاب ابن القيم الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء
فصل الخطرة وأما الخطرات : فشأنها أصعب ، فإنها مبدأ الخير والشر ، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم ، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه ، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب ، ومن استهان بالخطرات قادته قهرا إلى الهلكات ، ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير منى باطلة . كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب [ سورة النور : 39 ] . وأخس الناس همة وأوضعهم نفسا ، من رضي من الحقائق بالأماني الكاذبة ، واستجلبها لنفسه وتجلى بها ، وهي لعمر الله رءوس أموال المفلسين ، ومتاجر البطالين ، وهي قوت النفس الفارغة ، التي قد قنعت من الوصل بزورة الخيال ، ومن الحقائق بكواذب الآمال ، كما قال الشاعر : أماني من سعدى رواء على الظما سقتنا بها سعدى على ظمأ بردا منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا وهي أضر شيء على الإنسان ، ويتولد منها العجز والكسل ، وتولد التفريط والحسرة [ ص: 155 ] والندم ، والمتمني لما فاتته مباشرة الحقيقة بجسمه حول صورتها في قلبه ، وعانقها وضمها إليه ، فقنع بوصال صورة وهمية خيالية صورها فكره . وذلك لا يجدي عليه شيئا ، وإنما مثله مثل الجائع والظمآن ، يصور في وهمه صورة الطعام والشراب ، وهو لا يأكل ولا ويشرب . والسكون إلى ذلك واستجلابه يدل على خسارة النفس ووضاعتها ، وإنما شرف النفس وزكاؤها ، وطهارتها وعلوها بأن ينفي عنها كل خطرة لا حقيقة لها ، ولا يرضى أن يخطرها بباله ، ويأنف لنفسه منها . ثم الخطرات بعد أقسام تدور على أربعة أصول : خطرات يستجلب بها العبد منافع دنياه . وخطرات يستدفع بها مضار دنياه . وخطرات يستجلب بها مصالح آخرته . وخطرات يستدفع بها مضار آخرته . فليحصر العبد خطراته وأفكاره وهمومه في هذه الأقسام الأربعة ، فإذا انحصرت له فيها أمكن اجتماعه منها ولم يتركه لغيره ، وإذا تزاحمت عليه الخطرات لتزاحم متعلقاتها ، قدم الأهم فالأهم الذي يخشى فوته ، وأخر الذي ليس بأهم ولا يخاف فوته . بقي قسمان آخران : أحدهما : مهم لا يفوت . والثاني : غير مهم ولكنه يفوت . ففي كل منهما ما يدعو إلى تقديمه ، فهنا يقع التردد والحيرة ، فإن قدم المهم ؛ خشي فوات ما دونه ، وإن قدم ما دونه فاته الاشتغال به عن المهم ، وكذلك يعرض له أمران لا يمكن الجمع بينهما ، ولا يحصل أحدهما إلا بتفويت الآخر . فهو موضع استعمال العقل والفقه والمعرفة ، ومن هاهنا ارتفع من ارتفع وأنجح من أنجح ، وخاب من خاب ، فأكثر من ترى ممن يعظم عقله ومعرفته ، يؤثر غير المهم الذي لا يفوت على المهم الذي يفوت ، ولا تجد أحدا يسلم من ذلك ، ولكن مستقل ومستكثر . والتحكيم في هذا الباب للقاعدة الكبرى التي عليها مدار الشرع والقدر ، وإليها مرجع الخلق والأمر ، وهي إيثار أكبر المصلحتين وأعلاهما ، وإن فاتت المصلحة التي هي دونها ، والدخول في أدنى المفسدتين لدفع ما هو أكبر منها . المصدر: نفساني
|
|||
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|